لا شك أن الإرهاب نجح بالأمس في استهداف الداخل الإيراني. لكن إيران التي منعت حصول أي استهداف لأمنها ولفترة طويلة مُحبِطةً العديد من المُخططات الكبرى، نجحت أمس في إدارة أزمة الإستهداف الإرهابي الذي لم يتمكن من تحقيق أهدافه الكاملة. وهو ما وجد فيه الكثير من المحللين أمراً مُتميزاً في ظل هجومٍ إرهابي من هذا النوع. لكن ذلك لا يعني التغافل عن أن مرحلة جديدة من الصراع مع إيران بدأت. مرحلة يسعى البعض لجعل إيران تدفع ثمن عقلانيتها في مجابهة كل المؤمرات، الإقليمية والدولية. فماذ في الحدث؟ وكيف حصل؟ وما هي خلفياته والحقائق؟ ولماذا لن يُغير أي شيء في النتائج المستقبلية؟ أين فشل الإرهاب وداعموه؟
الهجوم على المجمع البرلماني كما حصل
بالتوازي مع قيام انتحاري بتفجير نفسه في مقام الإمام الخميني جنوب طهران، نفذ أربعة أشخاص متنكرين بالزي النسائي، هجوماً على المجمع البرلماني الإيراني وشط العاصمة. حيث توجهوا إلى مدخل في المجمع يتردد عليه عامة الناس، واقتربوا نحو حرَّاس المبنى وفتحوا النار عليهم، قبل أن يتوجهوا إلى مبنى مُلاصق للشارع لتنفيذ العملية، بهدف إيجاد جو من التوتر الوهمي وتأجيج الحدث إعلامياً. فوراً، وصلت إلى المكان وحدة خاصة تابعة للحرس الثوري يقودها قائد الوحدات البرية "العميد محمد باكبور"، وانتشر بالتوازي عدد من القناصين على المباني المحيطة، في وقتٍ حضر إلى داخل البرلمان قائد الحرس الثوري "اللواء محمد علي جعفري" الذي شكل خلية عمليات لمواجهة الأزمة. بدأت بعد ذلك، عملية التنظيف الداخلي للمبنى من الإرهابيين ومنعهم من التمركز في مكان واحد. حيث مارس فريق القناصة مهمة التغطية النارية بعد تحديد أماكن حركة المهاجمين. وبعد حصار الإرهابيين انتهت العملية بإفشال المُخطط وقتل المهاجمين. في حين تم القبض على مجموعات لها علاقة بالحادث ويجري التحقيق معها.
قراءة في الخلفيات والحقائق وعلى ضوئها المستقبل
عدة مسائل يمكن الوقوف عندها نُشير لها في التالي:
أولاً: لا شك أن هذه الجريمة المزدوجة هي محاولة بائسة لإستهداف أمن واستقرار الجمهورية الإسلامية والتأثير على سياستها تجاه دول وشعوب المنطقة. وهو الأمر الذي لا يمكن فصله عن مسارات الإستهداف الإرهابي الذي تتعرض له الدول كافة. حيث أن الإرهاب مُدان أينما وقع. كما أن ما يجري لا ينفصل عن تطورات الوضع في المنطقة الخليجية، بدءاً بنتائج زيارة الرئيس الامريكي ترامب الى السعودية وصولاً الى الأزمة الخليجية المتفاقمة بين دولة قطر والسعودية والامارات والبحرين ومصر.
ثانياً: على الرغم من الرابط الواضح بين ما جرى من استهداف وما يجري من تطورات حالية في المنطقة، الى أنه لا يجب إغفال أن الهجوم الذي حصل، نجح متأخراً، ضمن مسار بدأ سابقاً لإستهداف الجمهورية الإسلامية وتحديداً منذ بدأ تنظيم داعش الإرهابي في استهداف أمن الدول، وهو ما نجح به التنظيم في كافة الدول بإستثناء إيران.
ثالثاً: لا بد من الإلتفات الى أن أمريكا ومن خلفها الكيان الإسرائيلي والسعودية، تسعى لفتح مرحلة من الصراع الجديد بأسلوبه مع طهران، عبر استهداف أمنها القومي، وبشكل يعتمد على ضرب الإستقرار المواكب للتأجيج الطائفي والمذهبي. وهو ما تمتهنه الرياض التي باتت تُرسِّخ كل طاقاتها المالية والبشرية خدمة للمشروع الأمريكي والإسرائيلي والذي تُشكل طهران نقطة ضعفه.
رابعاً: إن هذا الإستهداف، يهدف للنيل من وحدة وقوة وحكمة الشعب الإيراني، والتفافه حول قيادته. فإنجاز الشعب الإيراني الذي أبهر العالم بمشاركته في الإنتخابات الرئاسية بنسبة تفوق 70 %، لم يُعجب الدول الغربية وبعض العربية التي توقعت أن تكون فترة الإنتخابات ونتائجها، مناسبة لضرب الوحدة الشعبية ولإيجاد تحول في السياسة الإيرانية الإقلميمية والدولية القائمة على العقلانية لا التطرف.
خامساً: لا شك أن ما جرى، يُشكل بالنسبة لإيران قيادة وشعباً، أمراً طبيعياً لأي دولةٍ تتمتع بالقدرة على الإستقلال والسيادة والإستغناء عن الغرب وحلفائه الإقليميين. وهو يجعل الحدث "مفرقعة" لن تنال من قدرة وآمال وطموح الشعب الإيراني. في حين أكد المعنيون أن الرد ستُقرره الأطراف الإيرانية المعينة، وبشكلٍ لا يختلف عن توجهات ومبادئ إيران تجاه دول وشعوب المنطقة.
سادساً: يفضح الحدث، الجهات الطامحة لاستدراج إيران النموذج في السياسة الدولية الناجحة، نحو مواقف تصعيدية. وذلك بهدف نقل العقل الإيراني من مرحلة الحكمة الى الإستفزاز وردات الفعل غير المحسوبة. لكن العارف، بمبادئ السياسة الإيرانية، يُدرك بيقين حتمي، أن إيران التي واجهت العديد من التحديات المماثلة من حيث الإستهدف (السفارة الإيرانية في بيروت وفاجعة منى)، نجحت في ممارسة ردات الفعل التي تراها مناسبة دون الإنزلاق الى أفخاخ السياسة الإقليمية والدولية. الأمر الذي يجعل التمرُّس الإيراني، دليلاً كافياً لتأكيد فشل الرهانات الموجودة من قبل البعض، دون أن يعني ذلك عدم الحزم الإيراني فيما يخص حدث الأمس، كونه تخطى الخطوط الحمراء وبالتالي سيُسقط خطوط الآخرين الحمراء أيضاً.
إذن، لم تكن سياسة ضبط النفس من قبل إيران سياسة تنمُّ عن الضعف. بل إن امتلاك طهران لقرارها، بات أحد القضايا التي تُزعج أمريكا وحلفائها. في حين يجب أن يُدرك المعنيون، أن امتحان الصبر الإيراني قد يصل الى مرحلةٍ خطيرة، طالما أنه تجاوز الخطوط الحمراء في التعاطي مع طهران. فليست إيران التي تسمح بضرب وحدتها طالما أنها لم تكن يوماً جزءاً من أي مشروعٍ يستهدف سيادة أحد. فهل يفهم الراقص على حبل المراهنات، أن العقل الإيراني لن يُراع أي حساسيات أو اعتبارات على حساب أمنه الداخلي والقومي؟