الوقت- يبدو أن نشوة النصر التي شعر بها آل سعود بعد زيارة ترامب والشعارات الخاوية التي أطلقها لم تستمر لأكثر من يومين، فقد جاءت الصفعة الأولى من قبل مشيخة قطر التي تعدها السعودية أقل شأنا من أن تكون صاحبة قرار سياسي ووموقف سيادي.
بعد مرور أقل من يومين على انتهاء زيارة ترامب إلى السعودية، الزيارة التي كان عنوانها الأبرز التحالف الأمريكي العربي لعزل ومواجهة إيران، أطلق أمير قطر تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني تصريحات يؤكد فيها أن إيران قوة إسلامية كبرى وتمثل ثقلا إقليميا وإسلاميا لا يمكن تجاهله، وليس من الحكمة التصعيد معها، مؤكدا أن طهران تضمن الاستقرار في المنطقة عند التعاون معها، وهو ما تحرص عليه قطر من أجل استقرار الدول المجاورة، ومؤكدا أن الدوحة نجحت في بناء علاقات قوية مع أمريكا وإيران في وقت واحد. كما أكد على اعتراض قطر على التصريحات التي تعتبر حركات مقاومة كحزب الله وحماس حركات إرهابية.
طبعا هذا الأمر قوبل بردة فعل سعودية وإماراتية صاعقة، تمثلت بحجب الجزيرة ومواقع وصحف قطرية واتهام تميم بالانقلاب على أشقائه الخليجيين، مما استدعى تراجع قطري عبر الادعاء أن ما نُسب لتميم عار عن الصحة ومُلفق. على الرغم من ذلك ما حصل يؤكد عمق الشرخ في العلاقات الخليجية الداخلية، ويُثبت أن هذا الشرخ هو جوهري وجودي وليس مجرد خلافات عابرة تظهر إلى العلن بين الحين والآخر.
في نفس السياق من الجيد عرض المؤشرات الأخرى التي تُثبت هذا الشرخ العميق بين ما يريده آل سعود وبقية الدول العربية والإسلامية
العلاقات السعودية التركية
على الرغم من أن البلدين يسعيان دائما إلى محاولة إظهار الوحدة فيما بينهما، إلا أن الخلافات دائما ما تظهر إلى العلن من خلال الملفات الإقليمية التي تتضارب فيها مصالحهما. ومنها ملف العلاقات مع مصر بعد مرحلة الأخوان المسلمين، أو ملف الأزمة السورية التي يريد كل منهما فرض أجندته على الآخر. أما فيما يخص القمة العربية الأمريكية في الرياض فقد كان بارزا عدم حضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكأنه أراد أن يؤكد للأمريكيين أن السعودية ليست محور العالم الإسلامي، كما أن تركيا ترفض بأي شكل من الأشكال الدخول في مواجهة مباشرة مع إيران على الرغم من التباين الواضح مع طهران فيما يخص الملف السوري والعراقي، إضافة إلى العلاقات التي تحافظ عليها تركيا مع حركة حماس الفلسطينية.
العلاقات السعودية المصرية
حضر الرئيس المصري السيسي القمة العربية الأمريكية، وكان من الواضح أن سبب حضوره هو التزلف للسعودية من أجل بعض المساعدات التي يحتاجها للنهوض باقتصاد بلاده، ورغم ذلك لم يصرح بالعداوة لإيران مطلقا كما أنه يصر على استمرار خيوط العلاقات مع الحركات الفلسطينية المقاومة لما في ذلك من مصلحة لمصر. إضافة إلى الموقف المصري الواضح من الأزمة السورية والوقوف إلى جانب النظام وعدم الموافقة على الدخول في مؤمرات ضده بأي شكل من الأشكال.
العلاقات السعودية الإماراتية
قد يكون التناغم السعودي الإماراتي بخصوص الملف الإيراني في أعلى مستوياته، ولكن الملف المشترك الأهم بين البلدين هو العدوان على اليمن، والكل يعلم مدى الخلافات والصراع في الميدان اليمني من أجل توسيع النفوذ من قبل الإمارات. حيث تقوم بمواجهة أتباع السعودية هناك من أمثال الرئيس المخلوع هادي وأزلامه بشكل مستميت، ويعتقد البعض أن السبب الذي يجعل السعودية تتبع سياسة المواجهة الهادئة اتجاه الإمارات في اليمن هو محاولة الحفاظ على الإمارات كحليف أساسي في مواجهة إيران.
ولكن ومهما ارتفعت حدة التصريحات الإماراتية اتجاه طهران، تبقى في إطار من البروباغاندا الإعلامية لا أكثر، والسبب المصالح الاقتصادية التي تربط دبي بطهران والتي تتخوف الإمارات من أن يتحول الاهتمام الاقتصادي الإيراني من دبي لأماكن أخرى كسلطنة عمان.
موقف سلطنة عمان
منذ سنوات اتخذت سلطنة عمان منحى مخالف تماما لتوجهات السعودية سواء في الملف اليمني أو في ملف العلاقات مع طهران، حيث عززت إيران وعمان العلاقات الثنائية الاقتصادية والسياسية وكانت سلطنة عمان من الدول التي استضافة جولات من المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة 5+1 وهو الأمر الذي أثار حفيظة الرياض في حينها.
ختاما قد يظن البعض أن هذه الخلافات مجرد تباين في وجهات النظر، ولكن مراجعة الأيديولوجية الفكرية لهذه الدول، يؤكد على عمق الصراع وجوهريته (هو وحده الظرف الدولي والإقليمي وسياسات الانتحار السعودي التي ينفذها محمد بن سلمان إضافة إلى بعض الدولارات التي تكتنزها خزائنهم كانت وراء اجتماع هذا الكم من الزعماء العرب والمسلمين في الرياض لتقديم الطاعة لهم ولترامب)، فإن كل هؤلاء لا يؤمنون بتوجهات سلمان وترامب المتطرفة ويدركون حق اليقين أن شعاراتهم وخاصة فكرة معاداة أو مهاجمة إيران هي من الغباء بمكان.