الوقت- يطرح إعلان وزير الخارجية السعودي الجديد عادل الجبير حول وقف إطلاق النار مدة 5 أيام اعتباراً من 12 الشهر الجاري في اليمن، العديد من التساؤلات حول الأهداف والضمانات السعودية من باب ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب. الإجراء السعودي يأتي في ظل العديد من المتغيرات الميدانية على الساحة اليمنية، متغيرات تبدأ بمعادلة جديدة تتضح عناوينها مع "نفاذ الصبر" الإستراتيجي، وتمر معالمها مع استیلاء القبائل اليمنية علی مراكز عسكرية سعودية، ولا تنتهي خواتيمها بفشل التحالف وأدواته (القاعدة وأنصار هادي) في مواجهة أنصار الله والجيش اليمني، كذلك يأتي إعلان وقف إطلاق النار قبل أقل من أسبوع على حجيج قادة دول مجلس التعاون إلى كامب ديفيد للقاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما في 14 الشهر الجاري.
القراءة الأولية للقرار السعودي-الأمريكي الجديد تفتح باب تكهنات الشعب اليمني على مصرعيه حول جدية الحديث السعودي، فنحن العرب تقول "التجربة خير برهان"، ويقال في الأمثال الشعبية: "اسأل مجرب ولا تسأل طبيب"، وبما أن تجربة الشعب اليمني مع "جار السوء" كانت مريرة فمن حقه الطعن بأي قرار سعودي لأن المجرم مدان حتى يثبت العكس. فما الذي يضمن للشعب اليمني أن لا يتكرر سيناريو الإنتقال من عاصفة الحزم إلى إعادة الأمل؟
تحاول السعودية من خلال إعلانها الجديد الذي لا يخلو من المصلحتين السياسية والميدانية وكذلك الإنسانية إخفاء وجهها الدموي تحت قناع الإنسانية وهذا ما أوضحه الجبير عندما تحدّث عن إرسال المعونات من غذاء ودواء للشعب اليمني، وفتح مركز الملك سلمان للإغاثة أبوابه ابتداء من اليوم(الأحد)، ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان: أليست السعودية المسؤول الحقيقي عن هذه الجرائم البشعة بحق الشعب اليمني المسلم؟ وهل ستنجح الدبلوماسية الجبيرية صاحبة الظاهر السعودي والجوهر الأمريكي في محو ذاكرة الشعب اليمني؟ الجواب .. فات المعاد وبقينا بعاد.
مصلحة سعودية
لم يخل إعلان وقف إطلاق النار الذي تزامن مع قصف جنوني وعشوائي لمدينة صعدة نتيجة الخسائر الفادحة التي تكبدها جيش آل سعود، من "مصلحة ذهبية" إثر "فشل ألماسي" بعد أكثر من 40 يوماً من حربٍ عبثية، لم يفلح النظام السعودي خلالها في تحقيق أدنى أهدافه العسكرية. وفي هذا السياق لا بد لنا من ذكر التالي:
ميدانياً تريد سلطات الرياض من خلال وقف إطلاق النار وبصرف النظر إذا ما كان الامر نهاية أو بداية لجولة جديدة، تزويد القاعدة عموماً وأنصار هادي على وجه الخصوص بأسلحة نوعية وكميّة حتى يستقيم عود هذه الجماعات في أي مواجهة مقبلة مع أنصار الله والجيش اليمني.
أما على الصعيد السياسي فلا تريد السعودية أن يتزامن لقاء قادة دول مجلس التعاون بالرئيس أوباما في كامب ديفيد مع حملات عسكرية من القبائل اليمنية، حتى لا تخضع لأي إبتزاز أمريكي سواءً عبر كبح جماح آلة القتل السعودية أو فرض شروط جديدة ترفضها الرياض. الملك سلمان حاول قطع الطريق على واشنطن في هذا المضمار عبر استضافة الرئيس الفرنسي في القمة الأخيرة والحديث عن عقد صفقات سلاح بعشرات المليارات من الدولارات.
ولم يخل إعلان الجبير عن تاريخ بدء العمل بالهدنة الإنسانية وشروطها وإمكانية تمديدها، من مصلحة "إنسانية" تحاول السعودية الترويج لنفسها من خلالها عبر وضع الكرة في ملعب أنصار الله، فالجبير أمل بالأمس أن "يعود الحوثيون إلى رشدهم ويدركوا أن مصلحة اليمن والشعب اليمني أولوية للجميع"، مضيفاً أن الهدنة "فرصة للحوثيين لإثبات أنهم يهتمون بمصالح شعبهم"، كما أعلن "فتح مركز الملك سلمان للإغاثة أبوابه" أمام جرحى عدوان بلاده.
مصلحة أمريكية
لم يكن الإعلان الأمریكي ــ السعودي المشترك عن "هدنةٍ إنسانية" تبدأ الساعة الثامنة مساء يوم الثلاثاء المقبل لخمسة أيام قابلة للتمديد أمراً عبثياً، فالمصلحة الأمريكية حالياً تكمن في إيجاد جو مناسب قبيل اللقاء "التاريخي" في كامب ديفيد يوم الأربعاء المقبل عندما سيحاول الرئيس أوباما رفع شبهات إتفاق لوزان المبدئي بين طهران والدول الست حول برنامجها النووي، ولا نستبعد أن يثير أوباما دفائن الخوف الخليجية من الإتفاق لتمرير مشروع الدرع الصاروخي الأمريكي في المنطقة وما يترتب عليه من إبتزاز مالي يناهز الـ150 مليار دولار أمريكي.
يبدو واضحاً أن أمريكا تستخدم سياسة العصا والجزرة مع السعودية فعدم قبول الرياض بوقف إطلاق النار من الجانب السعودي يعني إبتزازاً أمريكياً في لقاء كامب ديفيد بدءاً من التلويح بالإدانة الدولية مروراً بفرض شروط على العدوان السعودي وصولاً إلى ملف الدرع الصاروخية، إلا أن قبول الرياض لا يخلو من المصلحة الأمريكية التي تقدم ذکرها.
نهاية أم بداية أخرى
بصرف النظر عن المصلحة السعودية الامريكية من وقف العدوان حالياً حتى لقاء كامب ديفيد، فإن التساؤل الذي يطرحه خبراء الشأن السياسي حول ماهيّة هذا الوقف، هو هل هذا الوقف نهاية أم تاسيس لبداية أخرى عنوانها التدخل البري في عدن؟
تشير الوقائع إلى أن العدوان السعودي على اليمن دخل في مراحله الأخيرة. هذه الخلاصة، تعزّزها جملةُ المعطيات أولها القصف الهستيري الذي شنّه العدوان على صعدة بالأمس، والذي يشير إلى بحث الرياض قبيل لقاء كامب ديفيد عن "انتصار" واحدٍ قبل وقف العمليات العسكرية والانتقال إلى طاولة المفاوضات، وليس آخرها النبرة السعودية المعتمدة حالياً والتي تشير إلى خفض سقف الرهان السعودي سواء من الشروط المسبقة أو أطراف الحوار أو الدولة المستضيفة لحوار المكونات اليمنية.
أنصار الله حالياً باتت مثل (بلاع الموس) ففي حين تريد حقن دماء الشعب اليمني والحفاظ على اليمنيين من آلة القتل السعودية، تؤكد دائماً أن الشعب اليمني لن يسكت على جريمة استهداف المدنيين وسيتحرك بالرد على العدوان. والرد اليمني على العدوان السعودي سيكون بقبول وقف إطلاق النار ومحاسبته عبر إستثمار الإنتصارات الميدانية التي حققتها الجماعة بمؤازرة الجيش اليمني وقطع الطريق على كافة المؤامرات السياسية المرتقبة من قبل السعودية وامريكا.