الوقت- في خضم التوتر الذي تمر به شبه الجزيرة الكورية، أعلن الجيش الأمريكي أنه وبناء على برنامج سابق، بدأ فعليا بنقل جزأ من المنظومة المضادة للصواريخ "ثاد" إلى كوريا الجنوبية، في خطوة متعمدة لرفع التوتر القائم أصلا بينه وبين الجارة الشمالية.
أتت هذه الخطوة وسط اعتراضات واسعة داخل المجتمع الكوري الجنوبي. إضافة إلى عدم رضا صيني حيث أعلنت بكين أن استقرار هذه المنظومة في المنطقة ستؤدي إلى تأجيج التوتر ولا تساعد على الاستقرار في دول جنوبي شرق آسيا.
هذه الخطوة كانت قد سبقتها خطوات أخرى مماثلة، حيث قامت أمريكا خلال الأسابيع القليلة الماضية بالمشاركة في مناورات صاروخية إلى جانب كل من كوريا الجنوبية واليابان، كما أرسلت غواصات نووية وسفن بحرية قتالية وحاملة الطائرات الشهيرة كارل فنسون لترابط في بحر الصين.
أما عن التوتر الحاصل فإن أمريكا تٌعتبر هي العامل الأساسي في زيادة هذا التوتر في شبه الجزيرة الكورية، ومن خلال الاستمرار في سياسة التسليح في المنطقة فإنها تزيد الأمور تعقيدا وتجر إلى خطر حرب كونية جديدة تبدأ من تلك البقعة في العالم.
أما عن أسباب التوتير الذي يريده الأمريكيون فالظاهر أنهم يريدون الاستفادة من هذا الأمر لجر المنطقة إلى مواجهة عسكرية، مواجهة تعطي الأمريكيين الذريعة لزيادة حضورهم العسكري على أراضي حلفائهم هناك. كما أن أمريكا ومن خلال تصريحات مسؤوليها، ومن خلال تضخيم الأمور من قبل أسطولهم الإعلامي إنما تسعى لتشويه صورة كوريا الشمالية واعتبارها عدوا خبيثا مما يشرعن وجودها في المنطقة، كما يشرعن أي هجوم أمريكي محتمل في المستقبل.
ولكن رغم أن التصريحات الأمريكية بلغت حدا خطرا، وعلى الرغم من الوعود بتنفيذ هجوم مباغت على كوريا الشمالية في حال الاستمرار في التجارب الصاروخية والنووية، إلا أن الصورة الكاملة للمشهد في تلك المنطقة بل وفي العالم يشير إلى عكس ذلك. فعلى الأرجح لن يبلغ الأمريكيون مرحلة تنفيذ هجوم حقيقي على كوريا الشمالية لأسباب عدة هذه أهمها:
السبب الأول والأهم هو القدرة النووية التي باتت تمتلكها بيونغ يانغ منذ سنوات، هذه القوة التي تشكل قوة ردع مهمة في وجه أي حماقة أمريكية، وهذا الأمر يهدد به قادة كوريا الشمالية جهارا نهارا، بأن ردهم وانتقامهم سيكون قاسيا جدا في حال أي تدخل أمريكي. خاصة أنهم كشفوا النقاب عن غواصة تستطيع إطلاق صواريخ بالستية نووية. وهذا الأمر يقض مضجع الأمريكيين.
السبب الثاني، التباين الواضح والأكيد بين الموقف الأمريكي والصيني، فالصين هي الدولة الأقوى والأكبر في دول شرق آسيا، ولا يمكن أن تسمح لأمريكا أن تشن حملة مباغتة على كوريا الشمالية التي تربطها بها علاقات تجارية وسياسية مميزة.
السبب الثالث، القلق الكوري الجنوبي إضافة إلى الياباني من ردة فعل بيونغ على أي ضربة. إذ أن أي خطأ في الحسابات سيؤدي إلى اشتعال المنطقة. التي يمكن وصفها بأنها تقع على برميل بارود يحتاج إلى أبسط الأسباب ليحترق ويحرق كل المنطقة معه. وكوريا الشمالية تهدد بشكل واضح حلفاء أمريكا في المنطقة، ولم تكتفي بتهديد اليابان وكوريا الشمالية بل وصلت حد تهديد أستراليا بسبب المواقف المؤيدة لأمريكا.
بناء على ما تقدم، وعلى رغم ارتفاع أسهم الحرب والمواجهة العسكرية فإن احتمال أن يشن الأمريكيين حملة استباقية على كوريا الشمالية ما زال ضعيف جدا، ولكن الاحتمال الأكيد هو أن الأمريكيين سيفرضون عقوبات جديدة على هذا البلد في محاولة للضغط عليه اقتصاديا والضغط على الشعب الكوري الشمالي معيشيا.
كما أن هناك أمرا آخر مهم جدا يجعل الإدارة الأمريكية وعلى رأسها دونالد ترامب يعيدون التفكير مرارا قبل أي قرار من هذا المستوى، وهو ردة الفعل الكورية الشمالية التي لم تتراجع قيد أنملة في مواقفها، بل وتقدمت خطوات إلى الأمام في تحدي الأمريكيين عسكريا، والصاروخ الذي تمت تجربته أخيرا ورغم فشل التجربة يؤكد على الإصرار على المضي قدما في مواجهة المشروع الأمريكي وإسقاطه في تلك المنطقة.