الوقت - تُشكِّل الحملة المبرمجة ضد حزب الله أحد الملفات المهمة لدى صُنَّاع القرار. فصحيحٌ أنها ليست جديدة، لكنها تأتي في توقيتٍ حساس وبشكلٍ وأسلوب مُغاير، يهدف لكسر حزب الله الذي بات عقدة الوصل بين الأطراف اللاعبة على الساحة الإقليمية فيما يخص بالتحديد الأزمة السورية. خصوصاً بعد ان فشلت محاولات إخراج إيران من معادلة الحلف الروسي الإستراتيجي معها. وسقطت محاولات إزاحة الرئيس الأسد من المشهد السوري. فكيف يمكن توصيف الحملة المتصاعدة حالياً ضد حزب الله؟ وما هي أسبابها الحقيقية؟
الحملة المتصاعدة ضد حزب الله
يمكن تلخيص الحملة المتصاعدة حالياً على حزب الله من خلال التالي:
أولاً: التهديد بالعقوبات المالية والإقتصادية. حيث تشهد الساحة اللبنانية ومنذ وصول الإدارة الأمريكية الجديدة للبيت الأبيض، تهويلاً بالحديث عن مشروعٍ أمريكيٍ جديد لتوسيع العقوبات على حزب الله. وهو ما شكَّل مادة جديدة للحرب النفسية والإعلامية الجارية على الحزب، وعبر قنوات إعلامية لبنانية وعربية، في محاولة لضرب حاضنته الشعبية. ولعل الأمور قد تتخطى التهويل لتكون جدية، حيث شرع المعنيون في أمريكا بالتحضير لقانونٍ يطال شريحةً أكبر من القانون السابق، على أن يتم إعلانه خلال الأشهر المقبلة. في وقتٍ يعيش لبنان أوضاعاً تُبرز حجم انكشافه أمام التحديات وعدم قدرة الأفرقاء السياسيين على إدارة شؤونهم المحلية. الأمر الذي يجعل من هكذا خطوة، مرفوضة وغير مُحبذة من قِبَل الكثير من الأطراف حتى خصوم حزب الله، الذين وجدوا أن لهكذا خطوات تأثيراً على عموم الواقع اللبناني الإجتماعي والمالي تحديداً المصرفي. لكن واشنطن والتي تُقارب الأمور من مصلحتها، قد تكون وجدت في هذه الخطوة داعماً لحربها الإقليمية والدولية ضد الحزب، ومحاولة إشغاله واستنزافه داخلياً.
ثانياً: العمل على تشويه سمعة حزب الله إقليميا ودولياً. وهو ما تُظهره المواقف غير الجديدة لمندوبة أمريكا في الأمم المتحدة، والتي وضعت حزب الله في خانة التنظيمات الإرهابية. مع ما يترافق اليوم من حملة عربية أطلق الأردن شراراتها تجاه محور المقاومة، واستكملها وزير الخاريجة السعودي عادل الجبير من خلال طرحه ملف إرهاب حزب الله في موسكو. مما دفع نظيره الروسي سيرغي لافروف، لرفع السقف الدبلوماسي عالياً، حيث لم يُجدد موقف بلاده من رفض اتهام حزب الله بالإرهاب فحسب، بل أكد على أن شرعية وجود قوات حزب الله في سوريا لا تختلف عن شرعية وجود القوات الروسية.
ما هي الأسباب الحقيقية خلف ذلك؟
يمكن تشخيص الأسباب الحقيقية لذلك من خلال ما يلي:
أولاً: يزداد المُخطط الأمريكي قناعةً يوم بعد يوم بأن إضعاف محور المقاومة وتحديداً إيران لا يمكن أن يحصل دون كسر حزب الله اللبناني. فيما يُظهر هذا التوجه الجديد فشل السياسات المُعتمدة لحصار إيران ومحور المقاومة. وهو ما أخرجته نتائج الحرب السورية والتي جعلت من الطرفين لاعبين أساسيين في الأزمة. لكن المفارقة تكمن أن محاولة إضعاف محور المقاومة من خلال الهجوم على إيران، لم تنجح، لأسباب تتعلق بالسياسة الدولية لطهران وفشل الرهان على موسكو وإمكانية إبعادها عن الحليف الإيراني. فيما يظن البعض أن ممارسة سياسة الهجوم على حزب الله، يمكن أن يجعله ورقة للتفاوض، في ظل إعادة خلط الأوراق على صعيد المنطقة ككل.
ثانياً: مع سقوط نظرية رحيل الرئيس الأسد أو ابعاده عن اللعبة السياسية، بالإضافة الى رضوخ أمريكا وحلفائها أمام صعوبة تحقيق أي مكاسب ميدانية، يجد البعض أن عملية إضعاف حزب الله ووضع دوره الإقليمي على طاولة المفاوضات، هي الخطوة الأهم اليوم من أجل تحصيل مكاسب سياسية، والتي لا تنفصل عن الأهداف التي سعت اليها واشنطن من خلال عملها العسكري الأخير ضد الدولة السورية. حيث أن سعيها لإعادة خلط الأوراق من جهتها، وتعاطي كل من روسيا وإيران في المقابل، أفرغ خططها لضرب الدولة السورية. فجاءت أهمية الإنتقال لضرب الحليف الأبرز في معادلة الصراع أي حزب الله.
ثالثاً: بالإضافة الى ما تقدم، ومن خلال مراجعة دور حزب الله في سوريا، يمكن الوصول لنتيجة مفادها أن الحزب نَجح في ترسيخ نفسه كطرفٍ إقليمي يصعب تجاوزه. حيث شكَّلت إنجازاته الميدانية لاعباً حاسماً في مُجريات الأزمة السورية وانتقالها لما وصلت إليه اليوم وجعله صلة الوصل المركزية بين جميع الأفرقاء. وهو ما تقتنع به روسيا ايضاً. كما أن قوة حزب الله برزت في كسره لمظهر الإنتكاس العسكري، حيث لم تكن الأزمة السورية أزمة استنزافٍ له على قدر ما شكَّلت هذه الأزمة نقطة تحولٍ تاريخية في تطوره نحو تعزيز قدراته العسكرية من الدفاع الى الهجوم، وهو ما يجعل منه هدفاً مركزياً لأمريكا والكيان الإسرائيلي وحلفائهم الإقليميين.
رابعاً: كل هذه الأمور أظهرت نتيجة واحدة مفادها أن حزب الله خرج من معركة الإستنزاف التي أُعدت لمحور المقاومة، بشكلٍ أقوى. وبات قادراً على التواجد في عدة ساحاتٍ مختلفة، وبجاهزية تتجاوز تقديرات أجهزة الإستخبارات التي باتت محتارة أمام هذه الديناميكية والمرونة العسكرية والصلابة التنظيمية ووحدة القيادة، على الرغم من كثرة التحديات وتعدد الملفات وتوسُّع الجبهات وغموض المستقبل. في حين برزت نقطة قوة عسكرية يُدركها العارفون بتوصيف المنظومات العسكرية، حيث استطاع الحزب الدمج والتأقلم بسرعة مع التحديات الجغرافية والديموغرافية متفوقاً على الكثير من الأطراف التي أحدثت هذه النقطة عامل ضعفٍ لها في أي صراع.
خامساً: هذه النقاط مجموعة، أنجزت نتائج تخطَّت حسابات الجميع حول قدرات حزب الله. فقد تمكَّن الحزب من توسيع نطاقه اللوجستي ليكون أبعد من الجغرافيا اللبنانية، دون أن يتأثر أو يتراجع. بل بات يجمع بين أكثر من عقيدة عسكرية، ويتمتع بأكثر من قدرة تكتيكية. من الدفاع الى الهجوم، والدمج بين الحرب الكلاسيكية وحرب العصابات. قدراتٌ تقف اليوم في مواجهة واستفزاز الكيان الإسرائيلي، وبشكلٍ لم يسبق له أي نظير.
إذن، يجب منع حزب الله من توجيه بوصلة الصراع نحو العدو الحقيقي. فالأزمة السورية صُنعت لتُغرق حزب الله في حربٍ تُبعده عن التفكير في مقاومة الإحتلال. لكن يبدو أن النتائج جاءت عكسية. وبات حزب الله قادراً على التأثير في أكثر من ساحة من بينها ساحة الصراع العربي الإسرائيلي. فكان القرار الآنيُّ والضروري، لخلق ظروف يمكن أن تُساهم في كسر حزب الله، دون أن تكون النتائج مضمونة!