الوقت- حين توجَّه وزراء الخارجية السوري والإيراني الى موسكو، للقاء نظيرهم الروسي، وذلك بعد انتهاء زيارة وزير الخارجية الأمريكي، شخَصت العيون لمعرفة ما سيخرج من هذا اللقاء. لم يطل انتظار المراقبين، ليتبيَّن أن الجميع عاد الى مربع ما قبل الضربة الأمريكية. روسيا وجَّهت تحذيراً لأمريكا رافضة مُبررات العمل العسكري. إيران تربَّعت على عرش الدولة التي شهدت لها الأحداث بحُسن تقييمها للعدو والصديق، وكيفية ممارسة السلوك السياسي الإقليمي والدولي. سوريا تتحدث بقوةٍ أكملت مشهد الرسائل التي وجَّهها الرئيس بشار الأسد في مقابلته التلفزيونية. فكيف يُمكن قراءة دلالات اللقاء الثلاثي فيما يخص الأزمة السورية؟ وماذا يعني ذلك؟ وكيف رضخت واشنطن؟
دلالات اللقاء الثلاثي في موسكو
عدة مسائل يمكن لحاظها من خلال نتائج اللقاء نُشير لها في التالي:
عودة الأمور الى ما قبل الضربة العسكرية الأمريكية
عاد المظهر الدبلوماسي ليطغى على المشهد الأمريكي الروسي دولياً. أعلنت روسيا إعادة العمل بالإتفاقية الأمريكية الروسية للتنسيق الجوي فوق سوريا. وهو ما كان بادرة العودة لمرحلة ما قبل الضربة. فيما خرجت مقابلة الرئيس الأمريكي مع صحيفة "وول ستريت جورنال"، لتؤكد على أن أمريكا ليست بوارد التدخل في الأزمة السورية عسكرياً، ولا مشكلة في بقاء الرئيس الأسد، لتكون واشنطن تراجعت عن موقفها وحملتها الإعلامية والسياسية، دون تراجع أيٍ من الحلفاء الثلاثة.
ثبات مواقف كل من روسيا وإيران وسوريا
لم تكن مواقف الحلفاء بعد اللقاء الروسي الأمريكي مُختلفة عن تلك التي أطلقوها قبله. بل جاء اللقاء الذي جمعهم، ليُثبت حُسن التنسيق الثلاثي ونجاحه. خرجت روسيا لتُصرَّ على أن العمل الأمريكي عدواني وهو ما لا يجب أن يتكرَّر. أما سوريا فأعلنت مِضيها في الحرب على الإرهاب، والدفاع عن سيادة ووحدة سوريا وتعزيز أُطر الدعم العسكري بينها وبين كلٍ من روسيا وإيران. وهو ما أكدته إيران أيضاً، مع مضيها في نسج الحل السياسي للأزمة.
ما تعني هذه الدلالات سياسياً وما علاقة الموقف الإسرائيلي؟
هذه الدلالات تعني الكثير سياسياً. وهنا نُشير للتالي:
أولاً: نجح التنسيق الروسي الإيراني السوري في كبح جنون أمريكا وخطواتها المتهورة. بل جاءت الخطوات الثلاثية المدروسة لتكون في نتائجها أقوى من الترويج الإعلامي والسياسي الذي قادته أمريكا طيلة الفترة السابقة. فيما تساءل المراقبون عن حجم التناقض في السياسة الأمريكية، وكيف قامت واشنطن بفعلتها دون وضوحٍ في الرؤية أجبرها على العودة والرضوخ للحسابات الإقليمية والدولية.
ثانياً: على الرغم من أن واشنطن حاولت إيصال رسائل من خلال عملها العسكري للعديد من اللأطراف، لا سيما فيما يخص قدرتها على التفرد في القرارات، تبيَّن أن أمريكا لا تمتلك القدرة على رفع السقف دولياً. بل إن أصل وجوهر قوتها يمكن في الترويج والتهويل الإعلامي والسياسي. وهو ما استطاع الحلفاء الثلاثة تجاوزه. مما يعني رضوخ واشنطن للمعادلات والحسابات الجديدة إقليمياً ودولياً فيما يخص الأزمة السورية.
ثالثاً: جاء الموقف الإسرائيلي ليُؤكد ما هو مؤكَّد. إيران أصل الخطر بحسب تل أبيب، وهي تُجيد إدارة القوة. الأمر الذي فضحه الإعلام الإسرائيلي، وبات يتحدث عن أن الضربة الأمريكية جاءت لتُثبت لروسيا مرة أخرى، صحة وجهة النظر الإيرانية. معلنة أن العمل العسكري الأمريكي لم يُشف غليلها. فالضربة الأمريكيّة لم تُحدث أيّ تغيير، تكتيكي أو استراتيجي بل جاءت بنتائج عكسية!
رابعاً: أثبتت أمريكا أن سياستها الدولية تجاه الشعوب والدول، تعيش حالة من التخبط، وهو ما ظهر جلياً من خلال سرعة التراجع الأمريكي وانتفاء أسباب العمل العسكري بشكل مفاجئ وكأن شيئاً لم يكن! وهو ما يؤكد ضعف الطرف الأمريكي في فهم واقع شعوب المنطقة، لا سيما فيما يخص الأزمة السورية.
عادت واشنطن الى مربع ما قبل الضربة. لم تنجح كل محاولاتها السياسية والإعلامية، أمام صلابة الحلفاء الثلاثة وحسن تنسيقهم. لكن الأسئلة التي تطرح نفسها لا تتعلق فقط بالسلوك الأمريكي تجاه الأزمة السورية بل تجاه العديد من أزمات المنطقة. خصوصاً في ظل احتدام الصراعات وصعوبة الملفات الإقليمية والدولية. فهل بدأ العهد الأمريكي بفشلٍ في القراءة والتخطيط؟ وماذا يُخفي لنا جنون ترامب المستقبلي؟