الوقت- منذ الأيام الأولى لاحتلال العراق حينما دخلت قوات التحالف بقيادة أمريكا العراق وفعلت بهذا البلد ما فعلت، لم تعرف هذه المدينة الأمان، حیث كان المسافر إليها أشبه بالمسافر إلى ديار الآخرة، ولم يجرؤ أحد على الاقتراب منها أو على التفكير بالسفر إليها.
إنها مدينة سامراء هذه المدينة التي تقبع على الضفة الشرقية لنهر دجلة على بعد 130 کم من العاصمة العراقية بغداد، والتي بناها المعتصم العباسي سنة 221هـ - 835 م ليتخذ منها عاصمة لدولته، وكانت تسمى بمدينة سُر من رأى لجمالها ولطف هوائها. تعتبر هذه المدينة اليوم إحدى أهم المدن الأثرية في العراق حیث تضم في ثراها ضريح الإمامين علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام إلى جانب الكثير من الآثار المعمارية التي تعود في قدمها إلى العصر العباسي.
وفي السنوات الأخيرة الماضية تحولت مدينة سامراء والقرى المحيطة بها إلى معاقل أساسية لإرهابيي القاعدة والبعثيين السابقين، حيث اتخذوا من القرى المحيطة بها معسكرات لتدريب وتخريج المقاتلين الذين عاثوا في العراق دماراً وفساداً.
كان الطريق الواصل بين سامراء وبغداد والممتد لمسافة 130 كم أشبه بطريق للموت منه بطريق للسفر والتنزه، ولم يكن وضع الطريق الواصل بين سامراء وتكريت بأحسن حال من نظيره الواصل بين بغداد وسامراء. كل الطرق المؤدية إلى سامراء أضحت طرقاً للخطف والقتل وقطع الرؤوس في زمن الاحتلال الأمريكي وفي زمن داعش والقاعدة الإرهابيين.
حيث تحولت هذه الطرق والقرى المحيطة بها إلى أماكن لتجنيد المقاتلين العراقيين والأجانب من أجل القتال ضمن صفوف الجماعات الإرهابية. يتحدث الملازم في الجيش العراقي عامر الحمد حول هذا الموضوع قائلاً: "هذا الطريق كان عبارة عن مكمن كبير يصطاد العشائر القاطنة حوله والتي احتضنت كل التنظيمات والفصائل المسلحة بعد 2003، وأي فرد له علاقة بالدولة أو موظف، مدنياً كان أو عسكرياً، إضافة إلى جميع من يعارض هذه الفصائل".
ذاكرة أبناء المنطقة تحتضن الكثير من المآسي والجرائم التي عايشوها على هذا الطريق، فالناس هناك لم ينسوا بعد دماء الصحفية العراقية أطوار بهجت والتي قضت هناك حينما كانت تغطي تفجير مرقد الإمامين العسكريين عليهما السلام في سامراء عام 2006م .
في السنوات الأولى لاحتلال العراق عمدت عصابات داعش والنقشبندية التابعة لنائب الرئيس العراقي السابق عزت الدوري (والذي قتل على أيدي الجيش العراقي مؤخراً)، عمدت هذه العصابات إلى نصب الكثير من الحواجز ونقاط التفتيش التابعة لعناصرها، لتجعل من هذه النقاط أماكن لاصطياد الأبرياء من الشعب العراقي. وفي الصيف الماضي عندما احتل تنظيم داعش الإرهابي محافظة صلاح الدين أضحى الطريق الواصل بين سامراء وتكريت مرتعاً لعناصره، حيث ارتكبوا هناك من الجرائم ما يعجز اللسان عن وصفه، فأكملوا بفعلهم هذا ما كان بدأه تنظيما القاعدة والنقشبندية الإرهابيان.
في تاريخ الأربعاء 1/4/2015م أعلن المتحدث باسم الجيش العراقي الفريق قاسم عطا عن افتتاح طريق تكريت باتجاه سامراء والقيام بتأمينه هو وطريق سامراء بغداد بشكل كامل، وقال عطا: "إن القوات الأمنیة كان لها أداء رائع، حیث تم تأمین طريق سامراء– تكريت الى جانب تأمین طريق بغداد – سامراء"، مبیناً أن "عملیة تطهیر الطرق تضمنت إبطال مفعول المئات من العبوات الناسفة المزروعة على جوانبها"، مضيفاً أن "الإرهابیین زرعوا عبوات ناسفة بین متر وآخر، كما تركت سیارات مفخخة لعرقلة تقدم الجیش".
خطوة الجيش العراقي هذه أعادت الأمان لهذه المنطقة ولربما تسهم في إعادة الأمان إلى قلوب الآلاف من العراقيين، ومن المؤكد أنها ستعيد الحياة إلى أوصال العراق المقطعة، لعله يتوقف عن النزيف، ولعل دماء الأبرياء هناك تثمر يوماً مشرقاً لا إرهاب فيه، ولا خوف ولا رعب يؤرق أحلام الأبرياء من ساكنيه.