الوقت - رغم إعلان الهدنة في سوريا والاستعداد لبدء مباحثات من أجل إقرار السلام في هذا البلد، وما رافقه من إعلان روسيا عن تقليص عديد قواتها هناك، يعتقد الكثير من المراقبين بأن موسكو ليست بصدد التراجع عن لعب دور أكبر في المنطقة، خصوصاً بعد وصول حاملة الطائرات الروسية "الأميرال كوزنيتسوف" إلى المياه الإقليمية الليبية والاجتماع الذي حصل بين وفد عسكري روسي يتصدره رئيس الأركان "فاليري غيراسيموف" والجنرال "خليفة حفتر" قائد القوات المنبثقة عن مجلس نواب "طبرق" والذي تسيطر قواته على قسم كبير من شرق ليبيا.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن حفتر زار حاملة الطائرات الروسية القادمة من الشواطئ السورية بعد أن رست في ميناء "طبرق"، مشيرة كذلك إلى أنه بحث خلال مؤتمر عبر الفيديو مع وزير الدفاع الروسي "سيرجي شويجو" مسألة مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط.
وبحسب مصادر إخبارية قرر الجانب الروسي وبالتنسيق مع حفتر إطلاق مناورات بحرية قبالة الشواطئ الليبية المقابلة لمنطقة الهلال النفطي التي تخضع بالكامل لسيطرة قوات حفتر.
وكشفت هذه المصادر عن مباحثات تجري بشأن إطلاق عمليات جوية داخل الصحراء الليبية بين طيران حفتر والطيران الروسي تحت شعار محاربة "الإرهاب" الذي يشمل تنظيم "داعش" والجماعات المقربة منه.
ما هي أهداف روسيا في ليبيا؟
كتبت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية تقريراً قالت فيه إن موسكو تدخلت في الأزمة الليبية لإنهاء الحرب التي اندلعت منذ العام 2011. وأضافت الصحيفة أن الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" يرى أن بلاده قد خُدعت بقرار الأمم المتحدة الذي أجاز لحلف شمال الأطلسي "الناتو" قصف ليبيا وإسقاط نظام معمر القذافي، معتبرة ذلك ضربة لموسكو التي وقعت عقوداً لإقامة قاعدة بحرية في بنغازي قبل سقوط نظام القذافي بعام واحد.
ونقلت الصحيفة عن مدير الدراسات الدولية في المعهد الملكي البريطاني "جوناثان إيال" قوله إن "الفوضى في ليبيا بمثابة فرصة للرئيس الروسي، لإظهار أن موسكو لاعب أساسي في حل الصراعات والنزاعات على السلطة". وأضاف إيال أن بوتين لديه نزعة شديدة لمحو ما شعر به من إهانة في ليبيا، ومن ثم كانت انطلاقته في سوريا للتأكيد على أن روسيا قوة كبرى، ولا يمكن تجاهلها عند حل الأزمات الدولية، ولهذا يعمل جاهداً للاتفاق مع الرئيس الأمريكي الجديد "دونالد ترامب" لحل الأزمة في ليبيا على هذا الأساس.
في هذا السياق قال الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "ماتيا توالدو" إن "استراتيجية بوتين قد تسفر عن شراكة جديدة مع ترامب، إذا اختارت واشنطن دعم خليفة حفتر في معركته ضد الجماعات الإرهابية".
ونسبت "صنداي تايمز" إلى رئيس الوزراء الليبي السابق محمود جبريل قوله: إن هناك دلائل على وجود تحول لصالح حفتر، وينبغي أن يكون هناك خطة لحل الأزمات التي تعرقل قيام الدولة، خاصة الانتشار الواسع للمجموعات المسلحة وغياب جيش موحد.
وقالت الصحيفة إن السلطة الحقيقية في ليبيا هي بيد مجموعة من التشكيلات المسلحة في المدن الرئيسية، بينما سلطة المجلس الرئاسي لا تتعدى منطقة القاعدة البحرية حيث يتحصن أعضاء المجلس، ويسيطر مجموعة من السياسيين على المباني الحكومية والوزارات.
وذكرت الصحيفة البريطانية أن جهود موفد الأمم المتحدة إلى ليبيا "مارتن كوبلر" لتحقيق التوافق في هذا البلد معرضة للانهيار بعد فشله في إقناع حفتر أو خصومه في الانضمام للمفاوضات.
وكانت روسيا قد طالبت بدور قيادي لحفتر في العملية السياسية، وقال نائب وزير الخارجية الروسي "غينادي غاتيلوف" إن حفتر يفعل كل ما بوسعه لمحاربة "داعش" ومساعدة الحكومة في استعادة السيطرة على المناطق النفطية والإنتاج النفطي.
وفي وقت سابق أعلن حفتر بعد زيارة قام بها مؤخراً إلى موسكو إن روسيا وعدته بتقديم مساعدة عسكرية لقواته، وذلك بعد إلغاء حظر السلاح المفروض على ليبيا من قبل الأمم المتحدة منذ سقوط القذافي عام 2011.
وأشارت مصادر دبلوماسية إلى أن من بين القضايا التي تم الاتفاق عليها بين حفتر والجانب الروسي هي إعادة تفعيل عقود عسكرية كان القذافي قد وقعها مع روسيا بقيمة خمسة مليارات دولار.
من خلال هذه المعطيات يرى الكثير من المراقبين بأن روسيا باتت تسعى لتعزيز تواجدها العسكري ولعب دور أكبر في المنطقة من خلال البوابة الليبية وعبر دعمها للجنرال حفتر الذي يصفه الكثيرون بأنه رجل ليبيا القوي الذي تعول عليه بعض الأطراف إصلاح الأوضاع في هذا البلد. كما تبدو الرغبة الروسية باستعادة نفوذها في المياه الدافئة طاغية على السياسة الخارجية للكرملين، في ظل تراجع غربي وأمريكي عن المنطقة.