الوقت- منذ ان أعلنت الجمهورية الاسلامية الايرانية امتلاكها للطاقة النووية حتى ثارت عليها الدول الاوروبية عامة وامريكا خاصة لمنعها من الوصول الى هذه القدرة التي تمكن ايران من رسم قواعد جديدة للعبة السياسية في المنطقة. فكان الرد الايراني ان اعتبر الرفض الغربي محاولة للتدخل في الشؤون الايرانية ومنع الشعب الايراني من حقوقه في التطور بالحصول على الطاقة النووية. الرفض الايراني للقرار الغربي واجهه رفض امريكي وبدأت المحاولات بالتاثير على الراي العام الغربي عامة والامم المتحدة خاصة لفرض عقوبات اقتصادية تحاصر الجمهورية الاسلامية بغية منعها من مواصلة الطريق النووي. لكن اليوم، بعد مفاوضات دامت لأشهر أسفرت عن انتصار ايراني ومسودة قرار أوصلت الى الاعتراف بايران النووية ورفع العقوبات الاقتصادية عنها. فهل نجحت العقوبات الامريكية في التاثير على ايران؟ ام ان الايرانيين نجحوا في قلب المعادلة قبل الاتفاق؟
من حفر حفرة لايران ... وقع فيها
تقول حكمة قديمة "من حفر حفرة لاخيه وقع فيها"، لكن المثل العربي هذا لم يذكر ان كان الاخ القديم والعدو الحالي تدخل ضمن هذه الحكمة. لكن الوقائع تشير إلي أن الحفرة الاقتصادية التي حفرها الامريكيون، وقعت فيها الحكومة الامريكية قبل ان تؤثر على الحكومة الايرانية فقد أظهر تقرير صادر عن المجلس الأمريكي الوطني، أن الاقتصاد الأمريكي قد فقد أكثر من 135 مليار دولار من عائدات التصدير ومئات الآلاف من فرص العمل المحتملة بسبب العقوبات الاقتصادية الصارمة ضد إيران .
التقرير الذي صدر بعنوان: "خسارة المليارات: أثر العقوبات على إيران على الاقتصاد الأمريكي"، يؤكد خسارة الاقتصاد الأوروبي مبالغ أكبر في فترة قصيرة من الوقت، حيث خسرت ألمانيا ما بين 23.1 و73 مليار دولار، وخسرت إيطاليا ما بين 13.6 و42.8 مليار دولار، وفرنسا 10.9 و34.2 مليار دولار. وعلى نطاق عالمي، يقدر التقرير تكلفة العقوبات في المتوسط بـ 528 مليار دولار سنويا اعتبارا من عام 2010، عندما تم فرض العقوبات على قطاعي النفط والمالية في إيران .
ويقدر التقرير ذاته خسارة امريكا بما لا يقل عن 51.000 كحد ادنى وبحد أقصى 280.000 وظيفة سنويا تقريبا بسبب العقوبات الإيرانية. ويقول التقرير إن ولايتي تكساس وكاليفورنيا على الأرجح هما أكبر الخاسرين من حيث فقدان فرص العمل، نظرا لحجمهما وجاذبية صناعاتهما للاقتصاد الإيراني .
وفي دراسة بريطانية اخرى حول العلاقات مع إيران، يبين تقرير اخر ان الصادرات البريطانية إلى إيران قد انخفضت من 464 مليون جنيه إسترليني الى أقل من 80 مليون نتيجة للعقوبات. ويعتبر مؤيدو العقوبات بأن هذه التكلفة أقل بكثير من العمل العسكري ضد إيران .
إجراءات فورية تنقذ ايران
الجمهورية الاسلامية الايرانية لم ترضخ للواقع المر وعملت على القيام باعمال مضادة للعقوبات سعيا منها للوقوف بوجه العقوبات إنقاذا لشعبها الباسل ووصولا لهدفها، ولهذا عمدت الى القيام ببعض الخطوات اهمها :
زادت الجمهورية الاسلامية صادراتها من الصلب وسعت لجذب المستثمرين الأجانب، فضاعفت إنتاجها من الصلب إلى أربعة أضعافه ووفقا لعرض توضيحي أعده "مجمع فولاذ مباركة" أكبر منتج للصلب في ايران فقد أصدرت الجمهورية الإسلامية متوسط 1.35 مليون طن من الصلب. وذهب الجزء الأكبر من صادرات الصلب الايرانية للشرق الأوسط وشمال افريقيا وتضمن أحيانا صفقات مقايضة أو إيداع الثمن في بنوك غير غربية لتفادي العقوبات .
بخطوة اخرى أعلنت الحكومة الايرانية انه تم للمرة الأولى في البلاد إنتاج البنزين السوبر بأوكتان 100 في شركة "الإمام الخميني (قده) لتكرير النفط" في مدينة شازند، تفاديا للعقوبات الامريكية .
خطوات اخرى تؤكد وقوف الشعب والحكومة الايرانية بوجه العقوبات الامريكية تمثلت بالصناعات الايرانية واعتمادها بالاسواق الايرانية كسلع اساسية بعيدا عن استيراد اي سلع اجنبية. ولا شك ان كافة الخطوات السياسية والاقتصادية التي قامت بها الحكومة الايرانية ومشاركة الشعب الايراني بمنح الحكومة الايرانية الثقة الكاملة للقرار السياسي كان لها الدور الاساسي في الوقوف في وجه العقوبات كافة .
العقوبات الامريكية رغم وقتها الطويل لم تكن كفيلة في إخضاع الشعب الايراني او الحكومة الايرانية بل كانت نقطة تحول في السياسة الاقتصادية الايرانية مبشرة بشعب وحكومة معتمدة على الإنتاج المحلي والقدرات الذاتية الداخلية. ولا شك ان ابرز إنجاز استطاعت ايران الوصول اليه يبقى الاتفاق السياسي مع دول (5+1) معترفة بايران النووية ومبشرة بانتصار ايراني بامتياز وإخفاق امريكي واضح .