الوقت- هل سمع القارئ اسم إسحاق شابيرا؟ هو حاخام صهيوني ينتسب إلى حركة "حباد" التي تعد من أكثر الحركات الدينية اليهودية تطرفا وتحاملا على العرب والمسلمین، كما يلعب حاخامات هذه الحركة دورا رئيسيا في الحث على تدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل على أنقاضه. وقد أصدر هذا الحاخام المتطرّف مصنفا فقهيا عام 2009 ضمّنه مسوغات "فقهية" تبيح لليهود قتل الرضع العرب.
أسأل نفسي: لماذا بدأت بهذه المقدمة التي قد يعتقدها البعض تشهيراً بالمتطرّف "شابيرا" وحركته المتطرّفة؟! وأجيب: لأتحدث عن آخر فصول التطبيع من النظام الحاكم في البحرين "آل خليفة" حيث تراقص "البحرينيون" وحاخامات حركة "حباد" على وقع أغنية دينية يهودية مشهورة لدى التيار الديني الحسيدي، أكبر التيارات الدينية اليهودية في إسرائيل وذلك خلال الاحتفال بعيد "الحانوكاه" اليهودي (الأضواء).
قد يتساءل البعض ماذا يفعل الوفد اليهودي (الصهيوني) هناك، لتأتي الإجابة من المواقع الإسرائيلية نفسها حيث كشف موقع "Times Of Israel" أن الحاخامات قدموا إلى البحرين بناء على دعوة الملك حمد بن عيسى آل خليفة نفسه. وفي حين أبدت وسائل الإعلام الإسرائيلية اهتماما واسعا بالزيارة، وعرضت مشاهد رقص البحرينيين إلى جانب الحاخامات في الحفل الذي أقيم في مدينة "المنامة"، أوضحت وسائل الإعلام هذه أن الرقص كان على إيقاع أغنية بعنوان "عام يسرائيل حاي"، أي "شعب إسرائيل حي".
وحتى لا نتّهم بمعاداة الساميّة من قبل بعض العرب، وإن كان لا يعنينا ذلك، نؤكد ابتداءً وقبل الدخول في دلالات هذه الرقص على ما ذكره العديد من الإخوة العرب المسلمين.
أولاً: لا مشكلة لنا مع اليهود كدين إنّما مع الصهاينة الذين يحتلون قبلتنا الأولى، وقد أوضح أحد الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، ويدعى صالح "من مبادئ #المقاطعة أن يعلن أي وفد يهودي موقفه الواضح ضد الاستيطان والصهيونية قبل القيام بأي زيارة أو نشاط. فهل تم ذلك في #البحرين؟ #تطبيع". لتضيف أخرى تدعى نائلة "غريب، يأتي وفد تجاري يهودي بهذا الشغف والحماس للبحرين ويستقبلونه بالحفاوة ويشاركونهم الرقص والدبكة المسروقة من تراث فلسطين.
ثانياً: إننا نشاطر جميع من أدانوا هذه الزيارة، وفي مقدّمتهم حركة "حماس" التي أصدرت بياناً جاء فيه إنّ الوفد "صهيوني عنصري متطرّف"، واصفةً مشهد الرقص لمجموعة التجار والشخصيات في البحرين مع الوفد بأنّه "مذلّ ومشين".
كل ما ذكر صحيحاً، ولكن هذه نصف الحقيقة فقد غاب عن البعض أن حكّام البحرين العرب الذين ينتحلون الإسلام، والإسلام منهم بُراء، يسمحون برقص الصهاينة في حين أنّهم يمنعون صلاة الجمعة في بلادهم، فأي دين هذا؟
يردّدون في رقصتهم مع الصهاينة " شعب إسرائيل حي"، في الوقت الذي يقتلون به شعب البحرين المسلم لأغراض سياسيّة يسعى البعض لإعطائها صبغة طائفيّة بغية تحقيق مصلحة سياسيّة هنا وأخرى هناك، فأي إسلام هذا؟
لم تكن هذه الحفلة هي الأولى في تاريخ الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ففي العام الماضي أيضا أقام الملك، حفلًا خاصًا في قصره، ويالمناسبة نفسها، وقد قالت حينها السفيرة السابقة للبحرين لدى واشنطن هدى عزرا إبراهيم، إن "أبناء الجالية يشعرون بفرح كبير، إذ منذ عام 1948 لم نضئ شمعة حانوكاه في الكنيس بالبحرين".
لا تقتصر أفعال الملك "اليهودي" الهوى على ذلك حيث يمتلك باعاً طويلاً في "التطبيع الناعم" تحت شعار "السلام بين الشعوب". وإذا كان يبرّر لنفسه بذلك رغم أننا دحضنا هذا الادعاء أعلاه، فلماذا لا ينصح زواره بحقن دماء الشعب الفلسطيني؟ لماذا لا يرقص مع أطفال غزّة وشباب وشابات الضفة على وقع أناشيد الأقصى؟ لماذا لا يردّد مع الشعراء العرب المسلمين أشعار "سنعود"؟!
ليس ذلك فحسب، وللكلام تتمّة، حيث يوضح نائب وزير التعاون الإقليمي في الكيان الإسرائيلي أيوب قرا في تصريحه لصحيفة هآرتس العبرية أنه هو المسؤول عن زيارة وفد الحاخامات اليهود الى البحرين مضيفاً أن للكيان علاقات مع جميع الدول في الخليج الفارسي. وكشف قرا أن ابنة زعيم البحرين جاءت إلى "إسرائيل" سراً قبل سنوات لإجراء عملية جراحية، ويضيف قرا قائلاً: منذ ذلك الوقت تحول اليهود إلى أعضاء في الديوان الملكي، فهل هذا الأمر في سياق مكافحة الإرهاب والسلام بين الشعوب؟
إن ملك البحرين هذا الذي يستقبل اليهود في قصره، هو نفسه الذي يسجن العلماء والرموز في بلاده، وفي حين يمنع أي وظيفة "سياديّة" على شريحة كبرى من الشعب البحريني تختلف معه سياسيّاً، عيّن يهودية سفيرة البحرين في أمريكا، وهي من جالية تعدادها فقط 37 يهودياً، واليوم هي وزيرة في الحكومة البحرينية!
نحن أيضاً نريد سلاماً مع جميع شعوب العالم، لا استسلاماً، ولا يكون هذا السلام إلّا بتحرير كافّة الأراضي الفلسطينية من البحر إلى النهر، ومن أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، كما ولا بدّ من محاسبة كل الذين تلوّثت أياديهم بدماع أطفالنا ونساءنا وشيوخنا.
لحسن الحظ، فإنّ هؤلاء الملوك الذين "إذا دخلوا قرية أفسدوها" لا يمثّلون إلّا أنفسهم، ونحن نعلم بأنّ الأغلبيّة الساحقة للشعوب المسلمة، معادٍية لأيّ شكلٍ من أشكال الاعتراف والخضوع للكيان الإسرائيلي، فكيف اذا كان محتل يرقص مع آخر!