الوقت - بعد تفكك الاتحاد السوفيتي مطلع تسعينيات القرن الماضي، سعت أمريكا إلى استغلال هذه الفرصة للهيمنة على مقدرات الشرق الأوسط لاسيّما منطقة الخليج الفارسي بهدف تغيير موازين القوى لصالحها في المنطقة والعالم.
وعمدت أمريكا إلى الاستحواذ على مقدرات هذه المنطقة الغنية بمصادر الطاقة للتفوق على القوى العالمية المنافسة لها في هذا المجال من جهة، وضمان التحكم باقتصاديات الدول التي تعتمد على هذه المصادر لاسيّما النفط والغاز من جهة أخرى.
وبعد انتهاء فترة الحرب الباردة مع انهيار الاتحاد السوفيتي اكتسب الشرق الأوسط خصوصاً منطقة الخليج الفارسي أهمية بالغة في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والتي ألقت بظلالها على مجمل الأوضاع الإقليمية والدولية. وتمثلت هذه الأهمية في إحدى جوانبها بفتح أسواق جديدة لشركات صناعة الأسلحة الأمريكية لعقد صفقات ضخمة مع الدول الاقليمية لاسيّما دول مجلس التعاون.
ويمكن إجمال أبرز العوامل التي جعلت أمريكا تولي اهتماماً خاصاً بهذه المنطقة بما يلي:
ألف: الهيمنة على مصادر الطاقة
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في أيلول/سبتمبر عام 1945 سعت شركات النفط الأمريكية إلى الهيمنة على مصادر الطاقة الرخيصة في منطقة الخليج الفارسي للسيطرة على صادرات هذه المادة الحيوية إلى كافة أرجاء العالم خصوصاً الدول الأوروبية ودول شرق آسيا لاسيّما الصين واليابان لتحقيق هدفين أساسيين؛ الأول ضمان التفوق الاقتصادي على هذه الدول، والثاني التحكم بحاجة هذه الدول إلى مصادر الطاقة والتي تمثل ركناً أساسياً ومهماً في تحريك عجلتها في كافة المجالات الاقتصادية والصناعية والتجارية.
وتهدف الاستراتيجية الأمريكية في الحقيقة إلى السيطرة على أكثر من 60 بالمئة من مصادر النفط ونحو 40 بالمئة من مصادر الغاز الطبيعي في العالم من خلال السيطرة على منابعها في منطقة الخليج الفارسي.
ووفقاً للإحصائيات العالمية ارتفعت حاجة الصين إلى النفط المستورد من منطقة الخليج الفارسي من 20 مليون طن في عام 1996 إلى 70 مليون طن في عام 2002، ويتوقع أن يصل هذا الرقم إلى ما بين 250 و300 مليون طن في عام 2020.
كما تشير هذه الإحصائيات إلى أن الهند تستورد حالياً ما بين 60 إلى 70 بالمئة من حاجتها النفطية من منطقة الخليج الفارسي، ويتوقع أن تكون الهند ثالث أكبر بلد في العالم باستيراد النفط في عام 2025.
وتوضح هذه الإحصائيات بأن شركات النفط الأمريكية تصدر حوالي 18 مليون برميل يومياً عبر مضيق هرمز إلى مختلف أنحاء العالم، أي ما يعادل 35 بالمئة من الحاجة الإجمالية للنفط في العالم.
ب: الحيلولة دون توسع نفوذ إيران في المنطقة
من الأسباب الرئيسية الأخرى التي دعت أمريكا لتكثيف تواجدها العسكري في الشرق الأوسط لاسيّما منطقة الخليج الفارسي السعي للحيلولة دون توسع نفوذ إيران والحدّ من تأثيرها الإقليمي في عموم المنطقة. فبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 شعرت أمريكا بأن مصالحها في المنطقة باتت معرضة للخطر بسبب رفض طهران للهيمنة الاستكبارية للدول الغربية التي تتزعمها واشنطن، ما دعا الأخيرة إلى تعزيز تواجدها العسكري في هذه المنطقة لضمان السيطرة على مصادر الطاقة من جهة، والسيطرة على طرق الملاحة البحرية في الخليج الفارسي ومضيق هرمز وبحر عمان من جهة أخرى.
ج: دعم الكيان الإسرائيلي
بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة وبقوة من جديد، حيث دعت طهران إلى مواجهة الاحتلال الإسرائيلي ونصرة الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه المغتصبة في الأرض والوطن، الأمر الذي أثار حفيظة الإدارات الأمريكية التي تعاقبت على البيت الأبيض والتي تعتبر الكيان الإسرائيلي حليفاً استراتيجياً لها في هذه المنطقة الحساسة من العالم، ولهذا سارعت واشنطن إلى خلق شتى أنواع الأزمات للحيلولة دون توسع علاقات إيران مع باقي الدول الإقليمية.
د: السيطرة على مقدرات العالم الإسلامي
سعت أمريكا إلى الهيمنة على الشرق الأوسط لاسيّما منطقة الخليج الفارسي لإدراكها بأن هذه المنطقة تمثل مركز الثقل في قوة العالم الإسلامي والتي تضاعفت بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، ولهذا سارعت واشنطن إلى تكثيف تواجدها العسكري في هذه المنطقة لضمان سيطرتها على مقدراتها خصوصاً في المجالين الاقتصادي والسياسي.
وتشكل إيران في الواقع الخطر الأكبر الذي يهدد الوجود الغربي بشكل عام والأمريكي بشكل خاص في المنطقة لما تتمتع به من استقلال أيديولوجي وسياسي في اتخاذ القرارات المناهضة للهيمنة الاستكبارية التي تتزعمها واشنطن، بالإضافة إلى الموقع الجغرافي والجيوبولوتيكي الاستثنائي الذي تتمتع به إيران لمحاذاتها للعديد من الممرات المائية الاستراتيجية والحيوية في حركة الملاحة البحرية حول العالم خصوصاً الخليج الفارسي وبحر عمان ومضيق هرمز وبحر قزوين(الخزر)، وكذلك قربها من الدول المهمة والمؤثرة في صنع الأحداث الإقليمية والدولية خصوصاً روسيا والهند والصين التي تلعب دوراً واضحاً ومميزاً في تغيير موازين القوى في العالم وعلى جميع الأصعدة.