الوقت- في زيارة لا يختلف توقيتها عن أهمية فحواها، جال مساعد وزير الخارجية الإيراني على كلٍ من دمشق وبيروت. زيارة حملت العديد من الدلالات، لا سيما بعد الإنجازات الكبيرة التي قام به محور المقاومة بالإضافة الى روسيا فيما يخص الأزمة السورية. حيث لذلك أثرٌ مباشر على المستقبل السياسي في سوريا وكذلك لبنان. فماذا في جولة الموفد الإيراني الى دمشق وبيروت؟ وما هي أهم دلالات ذلك؟
جولة أنصاري من دمشق الى بيروت
قام معاون وزير الخارجية الإيراني حسين جابري أنصاري بزيارة شملت سوريا ولبنان التقى خلالها كبار مسؤولي البلدين. وفي زيارته الى دمشق التقى أنصاري الرئيس السوري بشار الأسد وكبار المسؤولين السوريين وبحث معهم آخر تطورات سوريا و المنطقة. وشملت زيارته أيضاً عقد الإجتماع الثالث للجنة السياسية المشتركة السياسية بين سوريا وإيران.
وبعد اختتام لقاءاته في دمشق زار الموفد الإيراني بيروت، حيث التقى رئيس الحكومة الجديدة سعد الحريري ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. ورافقه في الزيارة السيد حميد دهقاني والسفير الايراني في بيروت محمد فتحعلي. ونقل الأنصاري رسالة شفهية من الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني الى الرئيس اللبناني، جدد فيها تأكيد إيران على أهمية العلاقات الثنائية بين البلدين وضرورة تطويرها في المجالات كافة، لا سيما بعد الإنجاز الذي تحقق في لبنان بانتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية، والذي جاء بمثابة رسالة تفاهم وتعاون بين اللبنانيين مبنية على العقل والحكمة.
جولة الموفد الإيراني: دلالات وتحليل
يمكن اختصار جولة الموفد الإيراني التي شملت سوريا ولبنان بعنوانين أساسيين حملتها تصريحات المسؤول الإيراني الرفيع:
أولاً: إن الوفاق والتفاهم والإنسجام السياسي بين جميع الأطراف المعنية بملفات المنطقة، هو السبيل الوحيد الذي يمكن من خلاله تأمين الحل المنشود والسريع لكل الملفات الاقليمية المُلتهبة. مع التأكيد على أولوية الإستماع للأطراف الداخلية وكلمة الشعب.
ثانياً: إن التوجه السياسي أعلاه لا يمكن أن يحصل، دون المضي قُدماً في تفعيل الحرب على الإرهاب التكفيري. حيث يُعتبر الهدف السياسي نتيجة لإزاحة ورقة التكفيريين الميدانية أو الأمنية من أمام مشاريع السلام والتعايش المشترك لدى دول وأبناء المنطقة.
أما فيما يخص دلالات الزيارة نقول التالي:
أولاً: حمل مساعد وزير الخارجية الإيراني لشؤون الشرق الأوسط جابر أنصاري نتائج القمة الثلاثية التي عُقدت في موسكو بين إيران وروسيا وتركيا، في زيارته التي قام بها الى سوريا تحديداً كما لبنان. حيث تُعتبر سوريا الطرف المعني الأساسي بالقمة خصوصاً أن الأزمة تجري على أراضيها. كما هنأ خلال زيارته دمشق الدولة السورية على انتصارها في حلب. وهو ما يؤكد التنسيق العالي الموجود الذي يتم بين سوريا وإيران فيما يخص القضايا الثنائية لا سيما الأزمة السورية، وحجم الثقة التي تسود العلاقة بينهم.
ثانياً: إن مجرد الزيارة الى دمشق والتي أعقبت القمة الثلاثية، دليلٌ على حجم الإحترام الذي توليه إيران الى الأطراف ذات العلاقة، حيث أن الزيارة تُبرهن صدق النوايا الإيرانية تجاه الحلول المطروحة للأزمة السورية. كما تُعتبر تأكيداً على السلوك المسؤول من قِبل الجمهورية الإسلامية تجاه حلفائها.
ثالثاً: إن الزيارة الى لبنان، لم تقل أهمية عن زيارة دمشق. فهي دليلٌ على حجم الدور الإقليمي والدولي الذي باتت إيران معنية به. في حين نجد غياباً شبه تام للعديد من الدول الخليجية وتحديداً السعودية. وهنا وفي هذه المناسبة، لا بد من الإشارة الى أنه يجب على السعودية أن تُعيد النظر في سياساتها تجاه لبنان والمنطقة. خصوصاً بعد أن باتت بعيدة عن دورها الذي كان تجاه العديد من الدول لا سيما لبنان. في حين نجد أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تسعى لمزيدٍ من التقارب مع لبنان من خلال بواباته السياسية والدبلوماسية الطبيعية وعبر أُطر واضحة للعلاقة بين أي بلدين. فيما سعى لبنان من جهته وخلال الفترة الماضية، للنأي عن الصراعات الإقليمية لا سيما تلك التي تفتعلها السعودية، محاولاً الحفاظ على مسافة واحدة في علاقته مع الجميع. وهو ما ساهم في تمكن اللبنانيين من الخروج تدريجياً من سياسات الإملاء السعودي، حيث تبيَّن ذلك في نتائج الإنتخابات الرئاسية وتشكيل الحكومة.
رابعاً: حملت زيارة الموفد الإيراني الى لبنان، دعوة إيرانية لجعل لبنان شريكاً في سياسات المنطقة والإقليم. خصوصاً بسبب موقعه وحكمة مسؤوليه. وهو الأمر الذي يمكن أن يكون جديداً على لبنان، كونه لم يحصل أن خرج لبنان من سياسة الإملاءات الخارجية وهو ما لا تلجأ له الجمورية الإسلامية. لنقول أن تهنئة الدولة الإيرانية عبر موفدها الشعب اللبناني بتشكيل الحكومة الجامعة وتأكيده على أهمية الوحدة اللبنانية والحفاظ على قوة لبنان عبر دعم مقاومته ضد الكيان الإسرائيلي، دليلٌ على قناعة إيران بأهمية تحقيق كل دولة لمكامن القوة التي تساعدها في التغلب على الصراعات الدولية والإقليمية.
إذن، أكدت السياسة الإيرانية من خلال سلوكها تجاه دول الإقليم أنها تسير ضمن مبادئ تنطلق من احترام الشعوب وحقوقها. وهو نموذجٌ نادرٌ في عالم السياسة الدولية اليوم. فيما بات واضحاً أن إيران التي أصبحت سياستها عاملاً مهماً في استقرار المنطقة، تَعتبر أن دول المنطقة شركاء أيضاً في كل إنجاز، وهو ما يجب أن يُؤخذ بعين الإعتبار.