الوقت- عندما تم انشاء كيان الإحتلال الإسرائيلي في أكبر عملية تزوير دولية في عام 1948 كان الإتحاد السوفيتي اول دولة تعترف بهذا الكيان لكن فيما بعد بادرت غريمة الإتحاد السوفيتي أي أمريكا الى تقديم أكبر دعم ممكن لهذا الكيان وأصبحت أكبر حماته، ومنذ ذلك الحين باتت العلاقات والمصالح الأمريكية الاسرائيلية في الشرق الأوسط متشابكة ومترابطة فيما بينها الى حد بعيد حيث يقال ان كافة الخطط الامريكية في هذه المنطقة تدور حول محور الأمن الاسرائيلي وبقاء هذا الكيان.
وحينما إندلعت الإنتفاضات الفلسطينية التي هددت وجود كيان الإحتلال ومصير المستوطنين سارع الرؤساء الأمريكيون الى تقديم الدعم المالي والعسكري اللامحدود الى الكيان الإسرائيلي و رأوا لزاما على أنفسهم إنهاء هذا "النزاع" كما يسمونه.
وكان الحل الذي قدمه جميع الرؤساء الأمريكیین قد صب في بوتقة واحدة وهو " الحوار والمصالحة بين الجانبين لتقبل وجود الهويتين اليهودية والفلسطينية في بلدين منفصلين"، لكن في عهد كل رئيس أمريكي شهد تطبيق هذا الحل تذبذبا فبعض الرؤساء الأمريكيين ومنهم باراك اوباما وإدارته كانوا يسعون الى تسريع عملية التسوية والمصالحة على الرغم من توقيع إتفاق بين واشنطن وتل أبيب في عهد أوباما لتزويد كيان الاحتلال بأسلحة أمريكية قيمتها 38 مليار دولار خلال السنوات العشرة القادمة.
لكن السؤال الذي يطرح الآن يدور حول السياسة التي سيتبعها دونالد ترامب إزاء الكيان الإسرائيلي وقضايا السياسة الخارجية والمفاوضات مع الفلسطينيين.
لقد أظهر ترامب خلال حملته الإنتخابية بأنه يرغب في التفرغ للمشاكل الداخلية الأمريكية أكثر من رغبته في التعامل مع القضايا الدولية وإنه يريد تقليص كلفة المغامرات الخارجية لبلاده.
ورغم مواقف ترامب قبل الإنتخابات والتي أعلن من خلالها بأنه سينقل السفارة الأمريكية من تل أبيب الى القدس في حال فوزه بالرئاسة وانه سوف لايسمح بأن يتم التعامل مع المستوطنين الإسرائيليين كمواطنين من الدرجة الثانية، فمن الضروري ان نشير بأن المواقف الإنتخابية للمرشحين للرئاسة الأمريكية لاتعتبر التزاما سياسيا ولاتمت بصلة بنزوات هؤلاء تجاه القضايا الإسرائيلية.
وفي الحقيقة كان ترامب يتخذ مثل هذه المواقف المتطرفة من أجل كسب دعم اللوبي الصهيوني خاصة اذا علمنا بأن نقل السفارة الأمريكية الى القدس يخالف قرارات الأمم المتحدة والقوانين الدولية ومن المحتمل ان ترامب قد أدلى بمثل هذه التصريحات بسبب جهله بهذه القضية وفقط لأنه تأثر بالمشاحنات السياسية.
كما ان ترامب وخلافا لبقية المرشحين الرئاسيين الجمهوريين لم يسافر الى الكيان الإسرائيلي أثناء حملته الإنتخابية وهذا دليل واضح على عدم إهتمامه بقضية "الصراع الفلسطيني الإسرائيلي".
ومن ناحية أخرى يدرك الرئيس الأمريكي المنتخب ان "الصراع الفلسطيني الإسرائيلي" لن يحل بسهولة بسبب حالة ثنائية الأقطاب السائدة في الشرق الاوسط واللاعبين السياسيين الموجودين في المنطقة الذين يدعمون كل من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وكذلك بسبب التعلق المتزايد للفلسطينيين بأرضهم والأطماع المتزايدة للإسرائيليين في هذه الأرض.
وهكذا يبدو ان ترامب سيكون له أداء مشابه للرؤساء الذين سبقوه، وهذا يعني بأنه سيستخدم كافة الأدوات المالية والسياسية والعسكرية لأمريكا وحلفائها من أجل الحفاظ على أمن الكيان الإسرائيلي وسيدعو فقط الى المفاوضات لحل "النزاع الفلسطيني الإسرائيلي" من دون تبني سياسة فعالة ومؤثرة في هذا المجال.