الوقت- يولي الكيان الإسرائيلي اهتماماً خاصاً بمنطقة أوراسيا الشاسعة التي تمتد من أوكرانيا وبيلاروس وروسيا ومناطق البحر الأسود ومنغوليا وتضم آسيا الوسطى التي تتشكل من أوزبكستان وكازاخستان وطاجيكستان وقرغيزستان وتركمنستان ومنطقة القوقاز التي تضم أرمينيا وجورجيا وأذربيجان.
وتعد هذه الدول منطقة تنافس استراتيجي بين أمريكا وروسيا والصين، لما تتمتع به من موقع استراتيجي، إذ أنها تشترك في حدودها مع روسيا وإيران والصين وتركيا، وتطل على بحر قزوين الغني بالنفط.
وكانت هذه الدول تابعة للاتحاد السوفيتي سابقاً ثم نالت استقلالها بعد إنهياره في أوائل تسعينيات القرن الماضي. وسارع الكيان الإسرائيلي والعديد من الأطراف الإقليمية والدولية للعب دور كبير في هذه الدول بسبب أهميتها الجيو- سياسية التي يمكن تلخيصها بما يلي:
- موقعها المتوسط بين روسيا وتركيا والصين وإيران وبحر قزوين، ما يجعل منها محل تأثير على هذه المناطق الحساسة.
- كونها ممر مهم لخطوط الطاقة القادمة من آسيا الوسطى وبحر قزوين باتجاه البحر الأبيض المتوسط.
- تعتبر منطقة تجارية مهمة للاستثمارات وسوقاً مفتوحة للمنتجات.
- سعت هذه الدول لإعادة بناء جيوشها، ما جعلها سوقاً لاستيراد السلاح والخبرات العسكرية والأمنية.
- امتلاكها لمخزون الهائل من النفط والغاز والفحم واليورانيوم والذهب والفضة وباقي المعادن الاستراتيجية.
العوامل التي ساعدت الكيان الإسرائيلي على التوغل في القوقاز وآسيا الوسطى:
- الدور الأمريكي
لعبت أمريكا دوراً كبيراً في مساعدة الكيان الإسرائيلي بالتوغل في دول المنطقة وبناء أوسع شبكة علاقات معها في كافة المجالات. ويرجع ذلك لرغبة أمريكية في محاصرة روسيا والصين وإيران.
- الدور التركي
مهدت تركيا في مراحل زمنية مختلفة الطريق لدخول الكيان الإسرائيلي إلى دول هذه المنطقة، خاصة أن أنقرة لديها علاقات قوية مع هذه الدول ذات الأغلبية الإسلامية وينطق معظمها اللغة التركية.
- ضعف الهيكل الأمني والسياسي والاقتصادي لدول المنطقة بسبب الفجوات التي تركها انهيار الاتحاد السوفيتي، ولهذا استطاع الكيان الإسرائيلي استغلال هذه الفرصة، وتلبية حاجات تلك الدول في المجالات العسكرية والاستثمارات الاقتصادية وتزويدها بالمعونة الفنية التي هي في أمس الحاجة إليها.
- لم تهتم الدول الإسلامية بهذه المنطقة، ولم تكن تعتقد أنها يمكن أن تستفيد من التعاون معها لما تمتلكه من مقومات اقتصادية جيدة خاصة في مجالي النفط والغاز، ما جعل الساحة مفتوحة للكيان الإسرائيلي دون منازع.
- الجالية اليهودية
ساعدت الجالية اليهودية بتمهيد الطريق للتغلغل الإسرائيلي في آسيا الوسطى والقوقاز، وعلى الرغم من قلة عددهم إلاّ أن لهم تأثيراً كبيراً، بما يتمتعون به من قوة سياسية ومالية، فكثير منهم يعرفون هذه البلاد ويتقنون لغتها ويدركون قدراتها وخيراتها ويعرفون كيف يتعاملون معها كونهم من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق.
أهداف الكيان الإسرائيلي في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى:
سياسياً:
- الظهور كقوة إقليمية تلعب دوراً مؤثراً في المنطقة، معززة بذلك نفوذها العالمي.
- عزل الدول الإسلامية عن تلك المنطقة، وإضعاف الأمن القومي لهذه الدول.
- منع توسع النفوذ الروسي والإيراني والصيني في هذه المنطقة.
اقتصادياً:
- تأمين خط "جيهان" النفطي، حيث تسعى تل أبيب لتأمين منابع النفط التي تغذي خط الأنابيب الذي يمتد من أذربيجان، ثم جورجيا حتى ميناء جيهان التركي ثم إلى ميناء "عسقلان" المحتل. ويزود هذا الخط كيان الاحتلال بما يقارب 40% من حاجاته النفطية.
- ربط اقتصاد دول المنطقة بالاقتصاد الإسرائيلي، بحيث يصعب على تلك الدول فك هذا الارتباط. ويسعى كيان الاحتلال من خلال ذلك لتقوية اقتصاده بفتح تلك الأسواق لمنتجاته واستثماراته، والتحكم في تلك الدول اقتصادياً.
- تأمين حاجة كيان الاحتلال من المواد الأساسية، كالقمح واليورانيوم والنفط والذهب والفضة وباقي المعادن الاستراتيجية.
أمنياً وعسكرياً:
- تكثيف التواجد الإسرائيلي العسكري والأمني في تلك الدول، والاستفادة من بيع الأسلحة والتعاون الاستخباري معها. فقد قامت تل أبيب بتوقيع صفقات أسلحة بمئات ملايين الدولارات مع أذربيجان، منها اتفاقية بشأن مشروع مشترك لصنع طائرات من دون طيار، والتزود بوسائل اتصال، وتطوير بعض الأسلحة، إضافة للتعاون الاستخباري لغرض التجسس على إيران.
- إضعاف نفوذ إيران في تلك المنطقة، واستخدام دولها كورقة ضغط على طهران لتهديدها عسكرياً وأمنياً.
- إقامة تدريبات ومناورات وتبادل خبرات فنية وعسكرية مع دول المنطقة.
- يسعى الكيان الإسرائيلي وبدعم أمريكي وغربي لتقييد الدور الروسي في القوقاز وآسيا الوسطى، عبر إيجاد دول معادية على حدودها وإشغالها بها، ومحاولة إفقادها أهميتها في نقل النفط عبر دول القوقاز.
علمياً وثقافياً:
تحتضن دول آسيا الوسطى طاقات علمية ضخمة ورثتها من تركة الاتحاد السوفيتي السابق، ومنها كازاخستان التي كانت تعتبر واحدة من أكثر الجمهوريات السوفيتية تقدماً من الناحية العلمية، فضلاً عن وقوع مطار "بايكونور" الفضائي الشهير داخل أراضيها، وهو مركز إطلاق سفن الفضاء، وتجارب الصواريخ، وأبحاث حرب النجوم في العهد السوفيتي.
- سعى الكيان الإسرائيلي إلى تنظيم هجرات يهودية لاستغلال الموروث الديني في بناء علاقات سياسية واقتصادية واجتماعية مع دول آسيا الوسطى والقوقاز، معبداً الطريق أمام الشركات الإسرائيلية لغزو هذه الدول.
ختاماً يمكن القول إنّ الكيان الإسرائيلي سعى إلى اختراق أوراسيا على محاور مختلفة، ظاهرها توطيد العلاقات السياسية والاقتصادية، وباطنها مآرب أخرى، ولذلك يجب على الدول الإسلامية الوعي بحقيقة هذا الدور والإسراع في إبرام اتفاقيات مع دول هذه المنطقة في كافة الميادين الاقتصادية والثقافية والعلمية والعسكرية.