الوقت- في عام 2008 وعندما انتخب باراك حسين أوباما كأول رئيس من اصول أفريقية لرئاسة أمريكا، تعشم الكثير من العرب والمسلمين خيراً أقله بأن توقف حقبة أوباما الدماء التي أسالها الرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش، في الشرق الأوسط تحت ذريعة محاربة الإرهاب، لكن التوقعات شيء والواقع شيء آخر.
اذ تخطى باراك أوباما بحروبه المعلنة والخفية سلفه جورج بوش، وطيلة فترة حكم أوباما ( وصل إلى الرئاسة الأمريكية بعد فوزه في انتخابات نوفمبر 2008 وتولي منصبه رسميا في عام 2009 قبل أن يتم التجديد له بولاية ثانية في انتخابات 2012)، اعتمد "الرئيس الأسود" حاله حال من سبقه على الكذب والمراوغة في سياسته الخارجية، حيث استلم أوباما مقاليد الحكم في البيت الأبيض عن بوش الابن بحربين إحداهما في العراق والثانية في أفغانستان، ليسلمها (مقاليد الحكم) بأكثر من جبهة مشتعلة منها العراق وسوريا واليمن وأوكرانيا وليبيا بالإضافة الى أفغانستان.
ففي العراق، حاول الرئيس الأمريكي منذ توليه السلطة توجيه كلمات دبلوماسية للعراقيين عبّر فيها عن رفضه للاحتلال الأمريكي للعراق في أبريل 2003. وشدد في خطاب له بجامعة القاهرة في عام 2009 على "أنه ضد التطرف والحرب على الإسلام"،مؤكدا أن الحرب على العراق لم تكن ضرورية ووعد بالانسحاب من العراق وفقا لجدول زمني اتفقت عليه بغداد وواشنطن، وكشف أوباما في العام ذاته ان عدداً كبيراً من قوات الامركية البالغ عديدها نحو 140 الفاً في العراق ستنسحب في غضون عام، ولكن كلام أوباما لم يكن مصدر ثقة للعراقيين على الأقل الذين وصفوه بالمراوغ والكاذب والذي يسعى إلى التملص من مسؤولية الأخطاء التي ارتكبتها بلاده في العراق والأزمات التي قد تحلّ بالبلاد بعد انسحاب القوات الأمريكية.
وجاء الواقع مغايراً للتصريحات الاعلامية، اذا لا يمكن إحصاء سنة دون اعلان البيت الأبيض والبنتاغون زيادة عدد القوات الأمريكية (التي تم خفض عددها في وقت سابق)"التي يسميها مستشارين" في العراق وارسال المزيد من جنود المارينز، والذريعة جاهز سلفاً "محاربة تنظيم داعش الارهابي".
وفي ظل ما بات يعرف "بثورات الربيع العربي" لم تكن واشنطن غائبة عن المشهد مطلقاً، وعندما تولى أوباما منصبه عام 2009، كانت ليبيا تحت حكم العقيد معمر القذافي منذ فترة طويلة، وكان الرئيس الأمريكي السابق قد عقد صفقة مع القذافي لرفع العقوبات الغربية في مقابل اعتراف ليبيا بتفجير طائرة بان آم (رحلة 103) فوق لوكربي في إسكتلندا ودفع تعويضات لأسر الضحايا، ولكن في فبراير عام 2011 انطلقت شرارة الاحتجاجات من مدينة بنغازي، فدخلت واشنطن على الخط مباشرة مستفيدةً من تجارب سابقة لما حصل في مصر وتونس، وسارعت إدارة أوباما الى تزويد المتمردين بالسلاح والأموال تحت ذريعة "نشر الديمقراطية" وروجت عبر وسائل اعلام الناطقة باللغة العربية وما لف لفيفها الى أن ما يحصل في ليبيا "ثورة على نظام ديكتاتوري" وزودت "ثوارها" المفترضين سرا بمليار دولار فضلا عن الأسلحة، كما قام عملاء المخابرات الأمريكية والقوات الخاصة بتدريب مقاتلي المعارضة الليبية على الأرض. وبدأت سلسلة من الاتصالات الوثيقة بين القوات الأمريكية والليبية. وأطلقت واشنطن صواريخ لاعتراض الصواريخ الليبية من إطلاق النيران على أهداف للمتمردين، قبل ان تدخل بشكل رسمي تحت مظلة الناتو وتزج بطائراتها لقتال القذافي، وهو ما أدى في النهاية الى أن تحول الوضع برمته لصالح المتمردين المتمركزين في بنغازي.
وشكلت الوثيقة الدبلوماسية المسربة لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون حول ليبيا والمؤرخة في نهاية العام 2011 وتتضمن التسلسل الزمني لعملية تدمير الدولة الليبية دليل إضافي على دور إدارة أوباما في تحويل ليبيا الى دولة فاشلة.
أما فيما يتعلق بسوريا، فقد تبنت إدارة أوباما أهدافا أكبر منها، ووقفت عاجزة عن تحقيقها، ومع انطلاق شرارة الأزمة السورية، اعقتد اوباما وفريقه أن الرئيس السوري بشار الأسد لا يملك الحيلة والصمود، الضروريان لبقائه في السلطة، وان سوريا أصبحت لقمة سائغة ويمكن التخلص من الأسد وتحالفاته التي لاتنسجم مع الهوى الأمريكي وسياساته الرافضة للتبعية، لتأتي الوقائع عكس ذلك، وليثبت الأسد أنه يتمتع بتأيد شعبي حقيقي مكّنه من الصمود في الحرب التي تشن ضده وضد بلاده، وفشلت جميع الوسائل الامريكية ومعها التمويل النفطي من دول البترودولار في كسر سوريا، ومع تصاعد التدخل التركي والقطري والسعودي في تأجيج الحرب في سوريا، كان دور واشنطن في الحرب هو عملية سرية، خطط لها ديفيد باتريوس(مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية) لتقديم مساعدات استخباراتية ولوجيستية لهؤلاء الحلفاء، بالتزامن مع فشل البرنامج الأمريكي لتدريب "معارضة معتدلة".
وجاء التدخل الروسي العسكري الى جانب الحليف الأسد (في سبتمبر 2015) كمن أسقط ورقة التوت عن الإدارة الأمريكية وظهرت عارية بلا حول ولاقوة، وأقصى ما تستطيع فعله هو استمرارها بتسليح "المعارضين" دون أن تكون لتلك المعارضة قدرة حقيقية على تشكيل خطر وجودي على الرئيس الأسد وحكومته وهذا ما أثبته الميدان.
وفي اليمن، لايخفى على أحد الدور الذي لعبته الإدارة الأمريكية في دعم العدوان السعودي المتواصل على الشعب اليمني (بدأ منذ 26 مارس عام 2015)، والذي أدى لإزهاق أروحا آلاف اليمنيين بحسب تقارير الأمم المتحدة وأحدث دمار شبه كامل في البينة التحتية اليمنية، وسط تحذيرات من أسوء مجاعة تشهدها البشرية نتيجة الحصار السعودي على هذا الشعب الفقير، وجاء اعتراف وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بأن " أمريكا تدعم التحالف الذي تقوده السعودية لما أسماه مواجهة المتمردين في اليمن"، وما تبعه من اعتراف وزير الخارجية السعودية عادل الجبير بـ"وجود ضباط بريطانيين وأمريكيين ومن دول أخرى في غرفة قيادة العمليات العسكرية في اليمن"، كدليل إضافي على تورط إدراة أوباما بإزهاق أرواح اليمنيين، ناهيك عن دور واشنطن العلني في توفير الحماية الدولية للرياض وتحديداً في مجلس الأمن والتغطية على جرائم الحرب التي تقترفها الطائرات السعودية ومنع إدانتها دولياً، بالإضافة الى تقديم المعلومات الاستخباراتية واللوجستي لتحالف العدوان.
الى ذلك لم تقتصر حروب أوباما العلنية والخفية على تواجد قوات ومستشارين على الأرض، بل كانت الطائرات الأمريكية بلا طيار تجول وتدور في سماء الشرق الأوسط، فما أن استلم أوباما جائزة "نوبل" للسلام عام 2010 حتى أطلق العنان لطائراته المسيرة لتحصد أرواح زهاء 1000 مدني غالبيتهم في أفغانستان، وذلك وفق تقديرات لجمعيات غير حكومية، بينما تعترف الإدارة الأمريكية بأنها قتلت 116 مدنياً فقط، وتجاوز أوباما بذلك سلفه جورج بوش في هذا الإطار.
اذاً وبعد سرد تلك الوقائع يتضح أنه لا فرق بين جمهوري وديمقراطي ولا بين أصول أفريقية وأصول أوروبية عند يستلم إدارة البيت الابيض ولافرق بين بوش وأوباما ولن يكون هناك فرق بين ترامب وكلينتون في نشر الخراب وتمزيق الدول بحجة محاربة الإرهاب ونشر الديمقراطية.