الوقت- "حصلت المملكة على ١٥٢ صوتاً ما يفوق عدد الأصوات التي حصلت عليها قبل ٣ أعوام"، بهذه الكلمات تبختر المندوب السعودي الدائم في الأمم المتحدة عبدالله المعلمي، مزهواً بفوز النظام السعودي بعضوية مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة للمرة الثانية على التوالي، وذلك في ظل المطالبات التي صدرت من منظمات حقوقية عالمية بسحب عضوية السعودية من المنظمة الدولية على خلفية الجرائم التي ارتكبتها ومازلت ترتكبها في عدوانها على اليمن.
وكانت منظمتا العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش"، قد قدّمتا في 29 يونيو/حزيران الفائت، طلبا للأمم المتحدة، دعتا فيه إلى تعليق عضوية السعودية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، على خلفية "السجل المروع لانتهاكات حقوق الانسان في اليمن" على حد تعبير منظمة "هيومن رايتس ووتش"، فيما اتهمت منظمة العفو الدولية سلطات السعودية بإجراء حملة قمع وحشية ضد المعارضين وتطبيق عقوبة الإعدام في جرائم لا تستحق ذلك بموجب القوانين الدولية.
القرار الأممي قوبل بانتقادات كبيرة، لا سيما في ظل السجل الأسود للسعودية في مجال حقوق الإنسان وخصوصاً خلال الأعوام الأخيرة، حيث تجمع الدوائر في العالم، بما فيها الدوائر الغربية، على أن السعودية هي المصدر الأساسي للارهاب في العالم، وتشكل الحاضن الأكبر للأفكار الجهادية المتطرفة، والتي يتبناها داعش ويعتمدها في مناهجه الدراسية، وكانت صحيفة الاندبندنت قد نشرت عدة تقارير تتحدث عن دور الرياض في دعم الجماعات الارهابية، كما انتشرت تسريبات للمرشحة الأمريكية هيلاري كلينتون، تؤكد على دعم السعودية لتنظيم داعش الارهابي.
ومن ناحية أخرى فأن الحرب الظالمة التي تشنها السعودية على اليمن، ولم يسلم منها البشر ولا الحجر، تكفي لوحدها لتجريد السعودية من أي صفة إنسانية، فضلا عن صفة الدفاع عن حقوق الإنسان، إذ أن الشعب اليمني قد عانى ومازال يعاني من الغطرسة السعودية، التي تتجلى بأبشع صورها من خلال القصف اليومي على الأهداف المدنية بما فيها المنازل والمدارس والمساجد والمستشفيات، الأمر الذي خلف عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، وتسبب بنزوح مئات الآلاف، فضلا عن الحصار البري والبحري والجوي الذي يعاني منه الشعب اليمني، والذي أدى إلى تجويع نصف الشعب اليمني حسب إحصاءات الأمم المتحدة، وقد أشارت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" في تقاريرها إلى مقتل وإصابة آلاف الأطفال بفعل الغارات الجوية السعودية، كما أشارت إلى أن مليون ونصف المليون من أطفال اليمن يعانون من الجوع، فيما تتهددهم أخطار الإصابة بأعراض نقص النمو وقصر القامة بسبب سوء التغذية.
فالسعودية التي تشرّع قوانين تضطهد المرأة وتحرمها من أبسط حقوقها، وتقطع رؤوس المعارضين بسبب مواقفهم السياسية، وتشن الحروب على الدول المجاورة، وترسل قواتها لقمع ثورة البحرين السلمية، وتدعم بشكل علني الجماعات الارهابية المسلحة في سوريا، وتستخدم الارهاب والفتنة الطائفية سبيلاً لتحقيق مآربها السياسية، هي أبعد ما تكون عن حقوق الإنسان، ومن سخرية القدر أنه في الوقت الذي كان يجري فيه انتخاب السعودية لعضوية مجلس حقوق الإنسان، كانت القاذفات السعودية تلقي بحمم طائراتها على صالة العزاء في صنعاء، وسجن الحديدة، حيث سقط مئات الضحايا بين قتيل وجريح.
إلا أن رائحة البترودولار كانت واضحة في فيما جرى في أروقة الأمم المتحدة، حيث جرى التصويت على عضوية مجلس حقوق الإنسان بشكل سري تفادياً لاحراج الدول التي صوتت للسعودية تحت تأثير المصالح والحسابات السياسية والاقتصادية، ويبدو أن الهبات السعودية للمفوضية السامية لحقوق الإنسان قد لعبت دورها في الإبقاء على مقعد السعودية في المجلس، حيث تُعتبر السعودية أحد الممولين الأساسيين للمفوضية، التي تعتمد في 60 بالمئة من ميزانيتها على التبرعات، وقد زادت السعودية من تبرعاتها للمنظمة الدولية خلال السنة الماضية، وذلك بالتزامن مع الحرب التي تشنها على اليمن وفي ظل الدعوات لإلغاء عضويتها من مجلس حقوق الانسان.
للأسف فإن العوامل المؤثرة على تقييم السعودية من ناحية حقوق الانسان، تعتمد بشكل أساسي على الاستثمارات والودائع السعودية في البنوك الغربية، وصفقات السلاح الكبرى، التي أنجزتها السعودية مع الغرب، فالسعودية التي تعتبر أكبر مستورد للسلاح في العالم، تعلم أنها لن تُسأل عن كيفية استخدام هذا السلاح، طالما أن مصدره هو أمريكا، ويعود على الخزائن الأمريكية بالمال الكثير.
إن تجديد عضوية السعودية في مجلس حقوق الإنسان، هو دليل واضح على هزلية المنظمة الدولية، وتبعيتها للمصالح الأمريكية والغربية، فغياب المعايير الاخلاقية عن أروقة الأمم المتحدة ليس بالأمر الجديد، حيث سبق أن فاز الكيان الاسرائيلي برئاسة لجنة الشؤون القانونية للجمعية العمومية بعد حصول سفيرها “داني دانون” على 109 أصوات من أصل 193، وتم التصويت له بالاقتراع السرِّي بناء على طلب من دول عربية، لذا فإن فوز السعودية بمقعد مجلس حقوق الإنسان لم يكن خارج المألوف.
عضوية أنظمة كالسعودية والكيان الاسرائيلي في منظمة حقوق الانسان،من شأنه توجيه ضربة كبيرة لمكانة هذه المنظمة على المدى المنظور والبعيد، وتقويض مصداقيتها وإضعاف فاعليتها، وسيمنح هذه الكيانات الفرصة لمزيد من التوغل في الظلم والوحشية، وارتكاب المزيد من الجرائم وتصدير الارهاب والفوضى، وقتل الشعوب وانتهاك حرماتها، ومن ناحية أخرى سيؤكد للشعوب المضطهدة عدم جدوى التعويل على المنظمات الدولية، وأن الحق لا يُؤخذ إلا بسواعد أصحابه.