الوقت- بعد رفض فيتو الرئيس الأمريكي باراك أوباما وإقرار قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" والذي يعرف إختصاراً باسم "جاستا" في الكونغرس، واتهام السعودية بالوقوف وراء هجمات 11 أيلول/سبتمبر التي إستهدفت مركز التجارة العالمي والبنتاغون، بات الكثير من المراقبين يعتقد بأن هذا القرار سيؤثر سلباً على مستقبل العلاقات الأمريكية - السعودية.
وبعيداً عن تأثيرات هذا القانون على الداخل الأمريكي لاسيّما ما يتعلق بالتنافس المحموم بين الديمقراطيين والجمهوريين بشأن الانتخابات الرئاسية وانتخابات مجلس الشيوخ، هناك الكثير من الآثار التي ستترتب على هذا القرار في رسم مستقبل العلاقات الأمريكية - السعودية، يمكن الاشارة إلى بعض منها بما يلي:
- يقدّم القانون صورة سيئة للرأي العام العالمي والأمريكي على وجه التحديد تفيد بأن السعودية هي الراعية الأولى للإرهاب في العالم، وهذه حقيقة موثقة بأدلة كثيرة منها أن 15 من أصل 19 من منفذي أحداث 11 سبتمبر يحملون الجنسية السعودية.
- يعرّض القانون الأموال السعودية في البنوك الأمريكية والتي تقدر بمئات المليارات من الدولارات إلى المصادرة لتعويض ضحايا أحداث 11 سبتمبر الذين يقدرون بأكثر من ثلاثة آلاف قتيل ونحو تسعة آلاف جريح عدا المفقودين.
- يعكس القانون مدى تغلغل اللوبي السعودي في الوسط الأمريكي من خلال توظيف أموال طائلة تقدر بالمليارات لشراء سياسيين ووسائل إعلام، وإنشاء مؤسسات إقتصادية وجمعيات ومكاتب تقوم بالتبليغ للفكر الوهابي الذي تتبناه السعودية.
- يتوقع الخبراء أن تترك حالة الشك المحيطة بالمضامين القانونية للقرار الأمريكي تأثيراً سلبياً على التجارة الثنائية والاستثمار مع الكثير من الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا، مشيرين في الوقت نفسه إلى المخاطر التي تستهدف أموال واستثمارات السعودية في داخل أمريكا، بعد تصنيفها كدولة راعية للإرهاب دولياً، الأمر الذي سيحمّلها تبعات قانونية متعلقة بملف الإرهاب وطرق مواجهته والتعويضات.
- يسمح قانون "جاستا" بملاحقة ومقاضاة السعودية كدولة راعية للإرهاب وطلب تعويضات كما حصل مع ليبيا في قضية لوكيربي، وسيحكم القضاء الأمريكي باستقطاع مليارات الدولارات من أصول واستثمارات السعودية في أمريكا.
وطبقاً للتقرير الذي أصدرته وزارة الخزينة الأمريكية مؤخراً تملك السعودية سندات خزينة أمريكية بقيمة 116.8 مليار دولار، كما تملك شركة "أرامكو" النفطية السعودية مصفاة "بورت آرثر" الأكبر في أمريكا إلى جانب 26 منصة توزيع ورخصة "شل" لتوزيع الوقود والديزل في ولاية تكساس. وهناك مشروع "صدارة" المشترك بين "أرامكو" السعودية و"داو كيميكال" الأمريكية وهو أكبر مجمع للبتروكيماويات في العالم باستثمار 20 مليار دولار، بالإضافة إلى مشروع مشترك بين شركة "معادن" السعودية وشركة "الكوا" الأمريكية باستثمار يبلغ 10.8 مليار دولار لبناء أكبر مجمع في العالم لإنتاج الألمنيوم. فيما تؤكد تقارير متخصصة بالشؤون المالية بأن الأصول السعودية في أمريكا تصل إلى تريليون دولار.
- السعي لتقليم أظافر السعودية ومحاولة إنهاكها عبر هذا الملف "قانون جاستا" والتمهيد لمزيد من عسكرة المنطقة تحت ذريعة محاربة الإرهاب التي غيّرت خارطة الشرق الأوسط. فواشنطن تسعى لإعادة توظيف واستثمار أحداث 11 سبتمبر لأسباب منها محاولة خلق صورة ذهنية تربط بين الإرهاب والمنطقة عموماً لابتزازها وإرغامها على دفع فاتورة أيّ تسويات قادمة في ملفات المنطقة، وبالتالي تهيئة الرأي العام الأمريكي الداخلي لقبول إستمرار الحرب في مناطق جديدة وتوسيع نطاقها جغرافياً و زمنياً.
بالمحصلة يمكن القول بأن قانون "جاستا" أحبط جميع محاولات الرياض التي إستمرت لعشرات السنين وأنفقت خلالها مئات المليارات من الدولارات لتحسين صورتها في أمريكا. كما كشف القانون الوجه الحقيقي للسعودية ودورها الأساسي في دعم الإرهاب في العالم، الأمر الذي سيشكل ضغطاً كبيراً ومتعدد الجوانب على سلطات الرياض التي تواجه أزمات متعددة داخلية وخارجية في الوقت الحاضر لاسيّما الأزمة الاقتصادية وتورطها بالعدوان على اليمن ومطالبة المجتمع الدولي بمحاكمتها إزاء دورها المخرب في دعم الإرهاب، كما سيؤثر قانون "جاستا" في رسم سياسة وسلوكيات السعودية القادمة ويرغمها على إنفاق أموال طائلة لتغيير الصورة السيئة التي رسمها لها هذا القانون، فيما يؤكد بعض المراقبين بأن "الضربة القاضية" لحكم آل سعود قد بدأت من خلال إطلاق هذا القانون، وهذا يقودنا إلى نتيجة مفادها إنّ السعودية قد إستنفدت كل وسائلها لإرضاء الحليف الأمريكي الذي لا يقنع دون إذلال العملاء واستنزاف كل ما لديهم من أجل مصالحه ومآربه التي لعبت الرياض دوراً مشؤوماً في تنفيذها طيلة عقود من الزمن.
أخيراً تجدر الإشارة إلى أن قانون "جاستا" من الممكن أن يعرّض أمريكا نفسها للمساءلة وسيسمح لمواطني البلدان التي أرتكبت فيها واشنطن جرائم مخالفة للقانون الدولي بمقاضاتها وطلب التعويض عن تلك الجرائم، كما هو الحال في اليابان وفيتنام والعراق وأفغانستان وسوريا وباكستان واليمن والسودان والصومال وليبيا وكوريا الشمالية والقائمة تطول.. وهناك توقع يشير إلى إحتمال سوء إستخدام "جاستا" وتوظيفه لتصفية حسابات سياسية ومالية بناءً على دعاوى ذات طابع لا يخلو من إبتزاز واستغلال سواء في داخل أمريكا أو خارجها.