الوقت- لم تعد المعركة السياسية في العالم اليوم مجرد كلمات و خطابات. و لم يعد مصطلح "معركة" مجرد تعبير عن نقاش سياسي حاد او عن صراع سياسي فكري. ولا يخفى على احد ما الت اليه الامور في ميدان السياسة اليوم، فالمعركة اصبحت حربا بامتياز، باسلحة خفيفة و ثقيلة و بيضاء. والقاعدة السياسية الحالية مبنية على القتل و الدم. واخر ضحايا هذه الحرب، المعارض الروسي بوريس نيمتسوف الذي اغتيل بدم بارد تاركا خلفه تاريخا سياسيا مليئا بالمواقف والاراء. ولكن من هو القاتل؟ وما الذي دفعه الى القتل؟ ومن هو المستفيد من قتل معارض اشتهر بسياساته و انتقاداته و مواقفه؟
من هو بوريس نيمتسوف؟
بوريس نيمتسوف معارض روسي سياسي، بدا مشواره السياسي في مطلع التسعينيات كعضو في مجلس السوفيات الأعلى عشية انهيار الاتحاد السوفياتي، وسطع نجمه في عهد الرئيس الراحل "بوريس يلتسين" بتوليه منصب حاكم منطقة نيجني نوفغورود، ومن ثم أصبح أبرز من كانوا يسمون حينها "الوزراء الإصلاحيين الشباب"، بتوليه لحقيبة الطاقة في الحكومة، وصعوده إلى موقع نائب رئيس الوزراء لقطاع الطاقة والاحتكارات.
ولطالما اعتبر نيمتسوف شخصية إشكالية، فما حققه من نجومية سياسية ونفوذ في عهد "يلتسين" لا يتناسب مع قدراته وإنجازاته، حيث فشل في الارتقاء بأوضاع منطقة "نيجني نوفغورود" عندما كان حاكما لها، وكان محل سخط شعبي واسع خلال فترة توليه منصب نائب رئيس الوزراء.
ووجهت إليه اتهامات بالمسؤولية عن التدهور الاقتصادي والفساد في إجراءات الخصخصة، وتضخم نفوذ حيتان المال في روسيا. وقد تحول "بوريس نيمتسوف" إلى واحد من أشرس المعارضين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولعب دورا محوريا في بناء التيار الليبرالي اليميني الروسي، ولم يتردد في توجيه انتقادات قاسية للرئيس بوتين.
ويشهد له بأنه كان جريئا في المجاهرة بآرائه، فكان يصف الوضع في روسيا قائلا: "عندما تتركز السلطة في يد شخص واحد فهذا لا يؤدي سوى إلى كارثة".
قتل مع سابق ترصد والقاتل مجهول الهوية
اغتيل المعارض الروسي بوريس نيمتسوف بالرصاص، في وسط موسكو، عصر نهار الجمعة الماضي، في جريمة وحشية نفذها مجهول. ويأتي اغتيال "نيمتسوف" المعروف بمعارضته الشرسة للرئيس فلاديمير بوتين وللتدخل العسكري الروسي في اوكرانيا، قبيل تظاهرة ضخمة تعتزم المعارضة تنظيمها في نهاية هذا الاسبوع. وقال متحدث باسم وزارة الداخلية الروسية، ان "رجلا بحوزته اوراق ثبوتية باسم "بوريس ييفيموفيتش نيمتسوف" قتل في وسط موسكو"، رافضا الادلاء باي تفاصيل اخرى. من جهتها، قالت المتحدثة باسم وزارة الداخلية الروسية، ايلينا اليكسييفا، ان "نيمتسوف" كان يتنزه برفقة شابة على الجسر الكبير المحاذي للكرملين، عندما اطلق عليه مجهول النار فاصابه باربع رصاصات في ظهره ادت الى مقتله". ونقلت وكالة ريا نوفوستي للانباء عن شرطة موسكو ان "اغتيال نيمتسوف تم على مرأى من العديد من شهود العيان".
وبحسب التحقيقات الاولية، فان "مسلحا مجهولا كان على متن سيارة اطلق حوالى سبع او ثماني رصاصات على نيمتسوف". وقد دان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اغتيال نيمتسوف، واصفا مقتله بـ"جريمة وحشية تحمل بصمات قاتل مأجور". وقال "ديمتري بيسكوف"، المتحدث باسم الكرملين، ان "بوتين صرح بأن هذا الاغتيال الوحشي يحمل بصمات عملية قتل مأجورة"، مشيرا الى ان "الرئيس يعتبر الجريمة استفزازية وقد أمر لجنة التحقيقات في وزارة الداخلية وجهاز الامن الفدرالي وكالة الاستخبارات الروسية بالتحقيق في هذه الجريمة".
القاتل مجهول فمن هو المستفيد؟
يتم تداول دوافع عديدة في كواليس أروقة السياسيين والمحللين الروس كأسباب محتملة وراء جريمة الاغتيال، من بينها اعتبار نيمتسوف أن نشر مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية الساخرة لرسوم مسيئة إلى الإسلام والمسلمين يندرج في إطار حرية الرأي، في إشارة ضمنية إلى ان موقفا كهذا قد يستفز متطرفين مسلمين.
كما يجري الحديث عن وجود شبهات بخصوص الأعمال التجارية التي يمارسها نيمتسوف، مما يضع على الطاولة احتمال أن يكون الاغتيال تصفية لحسابات شخصية، إلا أن محللين سياسيين يرون في هذين الاحتمالين مجرد جزء من لعبة لخلط الأوراق.
اصابع الاتهام، و ان لم تكن الجريمة واضحة المعالم، تشير الى العديد من الفرضيات والتحاليل، فمهما كانت العلاقات جيدة و بناءة بين الغرب و "المغدور" لا يبدو ان احدا يمكن ان يستفيد من الجريمة بالمقدار الذي يستفيد منه الغرب. فخلط اوراق الصراع السياسي داخل روسيا من شانه ان يضعف القرار الروسي، وبذلك تبتعد القدرة الروسية بكل قواها عن طريق الصراع السياسي على نفوذ الشرق الاوسط.
علامة استفهام اخرى لا بد من التمعن فيها، تتعلق بحرب التسلح وتعاظم القدرات، والتوقيت الذي حمل في طياته عملية الاغتيال، فروسيا تسعى جاهدة لاعادة امجاد الاتحاد السوفياتي، من خلال مواقفها في المنطقة، سيما ان القدرة الروسية تتعاظم لتقابل المنافسة الامريكية وتحاول السيطرة على جزء من القرار السياسي في المنطقة، ما لا يروق للاوروبيين و الامريكيين، مما يجعل المعارك الداخلية و الصراع الداخلي قوة صدام تشغل روسيا لتبعدها عن النزاع.
المستفيد الاكبر اذا هو السياسة الغربية، فعلى قاعدة فرق تسد، تسعى السياسات الغربية الاوروبية و الامريكية الى انشاء نزاعات داخلية تحت عناوين مختلفة، طائفية و مذهبية و عرقية و غيرها، حتى تستطيع بسط سيطرتها على القرار السياسي في المنطقة و العالم. وكما يقول الامن الجنائي " حتى تعرف الفاعل، ابحث عن الدافع"، فهل يصل التحقيق الروسي لمعرفة القاتل بعد تجلي دوافع الجريمة؟