الوقت- أدى الانخفاض الشديد لأسعار النفط في الأسواق العالمية خلال العامين الماضيين إلى تدهور الاقتصاد السعودي إلى درجة تضاعف معها معدل التضخم، واضطرت الحكومة إلى خفض ميزانيتها وتقليص الوظائف بنسبة 20%.
ونشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية المتخصصة في الشؤون الاقتصادية تقريراً تحت عنوان "السعودية تنحدر؛ إنخفاض أسعار النفط يصدم الطبقة الوسطى" أشارت فيه إلى إنخفاض الإيرادات السعودية من النفط بشكل كبير والذي تسبب بأضرار فادحة لحقت بالاقتصاد، ودفع الحكومة إلى تقليل الدعم، والذي أدى بدوره إلى إرتفاع متطلبات المعيشة وانخفاض قدرة المستهلكين على الإنفاق.
وذكرت الصحيفة نماذج من المواطنين السعوديين الذين تضرروا بسبب الوضع الاقتصادي المتأزم في البلاد بينهم "محمد إدریس" الذي اعتاد على السفر إلى لندن مرة أو مرتين سنوياً، ولكن في هذه الأيام يطلب من زوجته وأولاده، تقليل إستخدامهم لسيارة العائلة، وذلك من أجل توفير الوقود، كما قام بتركيب ألواح الطاقة الشمسية في مطبخ منزله للحد من تكاليف الكهرباء.
وقال إدريس: "أصبحت أكثر وعياً بشأن نفقاتي بسبب نظرتي المتشائمة للمستقبل، وهناك الكثير من الأقاويل بشأن تنويع الاقتصاد، ولكن يبدو أن التركيز يقع فقط على زيادة الضرائب".
وأوضحت الصحيفة الأمريكية أن السعودية دأبت خلال العقود الماضية على صرف المليارات من الدولارات لدعم الوقود والمياه والكهرباء، لكن الانخفاض الحاد في أسعار النفط، مصدر الدخل الرئيسي للمملكة، دفع الحكومة إلى إيقاف المساعدات، ما ألحق أضراراً واسعة بالطبقة المتوسطة وأصحاب الدخل المحدود.
وتترقب السعودية إجتماعاً الأسبوع المقبل مع كبار منتجي النفط في الجزائر لبحث أزمة إنخفاض الأسعار، والتي أدت إلى تباطؤ الاقتصاد ونقص إحتياطيات النقد الأجنبي، ودفعت الحكومة لاتخاذ خطوات تدعم أسعار الوقود، مثلما فعلت في إتفاقها الأخير مع روسيا.
ويأتي الإنخفاض في أسعار النفط في وقت تصر فيه السعودية على زيادة المعروض منه في الأسواق العالمية وترفض أيّ خفض للإنتاج سعياً للإضرار باقتصاديات عدد من دول المنطقة والعالم في مقدمتها إيران والعراق وروسيا، كما يرى العديد من المراقبين.
ويعتقد بعض المحللين أن أحد الخيارات المطروحة التي يمكن أن تساعد في حل هذه المشكلة، يكمن بتجميد مستويات الإنتاج عند حد معين، واستثناء إيران من هذا الأمر لحين وصولها إلى مستويات ما قبل توقيع الإتفاق النووي مع مجموعة (5+1) قبل أكثر من عام، لكن السعودية سبق وأن رفضت التوقيع على أي إتفاقية في هذا المجال تستثني إيران.
وأصبح المستهلكون السعوديون الذين يعمل أغلبهم في وظائف حكومية، قلقون أكثر بشأن مستوى إنفاقهم في الأشهر الأخيرة، وفق ما قالته المواطنة "أريج العاقل" من شركة صون للإستشارات المالية، والتي تقدم خدمات التخطيط المالي لأفراد وأسر الطبقة المتوسطة. وهذا يعني تقليص نشاط شعبي لأغلب السعوديين في الطبقة المتوسطة، كتناول الغذاء خارج المنزل.
ولا تملك الحكومة السعودية الكثير من الخيارات. حيث تباطأ النمو في الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.5% في الربع الأول من العام، وفقاً لمكتب الإحصائيات التابع للدولة، ووفقاً لبيانات مؤسسة "الكابيتال إكونوميكس" إرتفعت هذه النسبة لـ 2% في الربع الثاني من العام. والأكثر من ذلك، إن القطاعات التي تشهد تباطؤاً هي التي تقدم الخدمات والمنتجات بشكل مباشر للمستهلكين، والتي بدأت تعاني منذ بداية هذا العام، حيث أدى التضخم المرتفع إلى تآكل دخل الأسر.
وبجانب تقليص نفقاتها على دعم الوقود والكهرباء والمياه، تخطط الحكومة السعودية لخفض نفقاتها على الأجور العامة لتصل إلى نسبة 40% في عام 2020 حيث تبلغ الآن 45%، كجزء من خطتها للتحوّل الاقتصادي بعيداً عن الإعتماد الكلّي على النفط.
وبدأ السعوديون بالتحدث حول قلقهم من وجود أزمة اقتصادية، حيث يقول "عماد الماجد" وهو فنّي صيدلة بالعاصمة الرياض: "نحن نمر بفترة صعبة، وسوف تكون هناك معاناة". وأخذ الماجد، وهو والد لطفلين، قرضاً من البنك لشراء شقّة العام الماضي، وهذا القرار جعله يعيد النظر في طريقة إنفاقه كما يقول. وأضاف: "إذا كنت معتاداً على نمط معين من الإنفاق، كيف يمكن لأحدهم إخبارك بتحديد نفقاتك وإلغاء العديد من الأشياء؟ بالتأكيد سيكون الأمر صعباً على كثير من الأشخاص".
ويؤكد المحللون: لكي تتحسن الأوضاع المالية في السعودية، فإنها بحاجة إلى أن يرتفع سعر النفط ليصل إلى 70 دولاراً للبرميل بدلاً من سعره الحالي، والذي يبلغ 46 دولاراً للبرميل.
وكانت السعودية قد فشلت في التوصل إلى إتفاق مع كبار الدول المنتجة للبترول بهدف تجميد إنتاج البترول في نيسان/أبريل الماضي، الأمر الذي دفع أناساً مثل "محمد إدريس" الموظف بالخدمة المدنية ليصبح أكثر حذراً، بشأن نفقاته لأنه يرى بأن الناس من أمثاله هم من يتحملون النصيب الأكبر من أعباء إنخفاض أسعار النفط.
ويعتقد المراقبون بأن المواطنين السعوديين لا يرغبون بإظهار تذمرهم على إرتفاع التكاليف، ولكن هناك إستياء عام من هذا الأمر بشكل واضح. وفي تصريح لروبين ميلز، الرئيس التنفيذي لشركة "قمر" للطاقة، وهي شركة إستشارية مقرها دبي، يقول فيه: "لا يتم التعبير عن السخط من المواطنين السعوديين الآن إلاّ في حدود ضيقة، لكن إذا إستمر التباطؤ وبدأ يؤثر على فرص العمل المحلية فسيزيد التذمر".
وتعاني السعودية من فقدان كبير للوظائف بين عمّال البناء، وأكثرهم من الدول الأجنبية الأشد فقراً، حيث تعاني شركات البناء المدعومة سابقاً من الحكومة من جفاف التمويل الحكومي. كما تتعرض السعودية إلى مخاطر سياسية مرتفعة نتيجة فشلها في معالجة هذا التباطؤ.
وتشن السعودية عدواناً على اليمن منذ عام ونصف العام، واستوردت خلال تلك المدة أسلحة من أمريكا بقيمة 33 مليار دولار.