الوقت- أقدم المخرج الأمريكي كلينت إستوود في ذروة شيخوخته علي إنتاج فيلم "قناص أمريكي"، الذي يحكي قصة حياة الجندي الأمريكي كريس كايل (برادلي كوبر)، وبلغت تكلفة إنتاج الفيلم حوالي 58.8 مليون دولار.
في هذا الفيلم نحن أمام دعاية صريحة شاملة مع مستويات من النظرة العنصرية. والفيلم يمثل صدي لنفس القوالب النمطية والأفلام الملحمية لهوليوود، ويعج بالشعارات السطحية والدعائية التي كانت فعالة في دعايات الثمانينات.
بداية الفيلم هي عرض لعظمة وجلالة النزعة العسكرية الأمريكية. يواجه بطل الفيلم كريس كايل وهو رجل من رعاة البقر وأبيض البشرة و ذي شعر ذهبي، صعوبات وإخفاقات، ولكن لأنه "البطل الأميركي"، يتمكن في النهاية من هزيمة الأعداء والانتصار عليهم.
هذا الفيلم يقدم العسكريين الامريكيين علي أنهم مدافعو "المجتمع الإنساني"، ومنطق فيلم"قناص أمريكي" هو نفس الأيديولوجية المقاتلة للتيار اليميني الأمريكي المتطرف. ويمثل تلك النظرة التي تجلت لدي الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن، وأوجدت أطول حرب في التاريخ الحديث. وهي الفكرة التي تعتقد أن جميع أعمال القتل التي تطال المدنيين في بلدان مثل العراق، ليست هجمة عسكرية بل دفاع عن البشرية أمام الدجال والشياطين! و"قناص أمريكي" هو الفيلم الأكثر دعماً للحرب الأميركية علي العراق.
العنصرية هي واحدة من أكثر المواضيع التقليدية الموجودة حالياً في أفلام هوليوود. بحيث قلما نجد فيلماً في أميركا يخلو من النظرة العنصرية. وفكرة الكراهية تجاه الآخر أو الآخرين في هوليوود، قد تركزت اليوم علي الإيرانيين والمسلمين. ونجد هذه النظرة العنصرية لدي هوليوود ضد المسلمين، في مسلسل "التائهون" ذي الشعبية الواسعة أيضاً. بحيث شاهدنا في هذا المسلسل أن الشخصية المسلمة الوحيدة في الفيلم (سعيد) هو معذب وجلاد، وحتي في حياته الشخصية لا يحضر إلا في أماكن الإرهاب والجريمة. وهذه الفكرة نفسها تعمّ "قناص أمريكي".
والفيلم يمتلأ بالكلمات المهينة تجاه الأرض والشعب و الثقافة في العراق، كما أن العرض المتزامن لقتل المسلمين وصيد الحيوانات، من مضامين هذا الفيلم أيضاً. ففي المشهد الافتتاحي، قبيل إطلاق النار على الطفل العراقي المسلم بالضبط، يتصل المشهد بصيد ظبي في غابة.
ومثل العديد من أفلام هوليوود، بطل الفيلم راعي بقر. ويعتبر رعي البقر الثقافة الأصيلة للأمريكيين وتراثهم القومي نوعاً ما، ولهذا السبب فإن منشأ الأبطال في العديد من أفلام هوليوود الأيديولوجية، هو أماكن رعي البقر. وفيلم "قناص أمريكي" يتبع هذه القاعدة نفسها.
القناص الأمريكي يصوب بندقيته نحو كل فرد من أفراد العراق وكل المسلمين، ويعتبر كل واحد منهم إرهابياً محتملاً أو إرهابياً فعلياً في الكثير من الحالات. والشعب الذي لا يريد أن يري بلده ومدنه وبيوته تحت أحذية رعاة البقر، يوضع في خانة المتطرفين الإرهابيين.
كل المسلمين في هذا الفيلم هدف لرصاصات هوليوود العنصرية، بإخراج كلينت إستوود هذه المرة؛ ولا فرق بين النساء والشيوخ وحتى الأطفال. فالجميع من وجهة نظر "قناص أمريكي"، مسلمون وخطيرون ولا يجب التردد في قتلهم لحظة واحدة.
والشخصية التي تخاصم بطل الفيلم وتعارضه، هي قناص عراقي يدعي "مصطفي"؛ الاسم الشريف للنبي الأعظم (ص). ولهذا السبب نجد في المدينة التي هي مركز القناصين الأميركيين أي تكساس، تقام مسابقة مهينة للنبي مصطفي(ص)، كي يري المشاهد أن الأميركيين متحدون في أهدافهم المدمرة. كما يقال أيضاً في مشهد من مشاهد الفيلم، إن مصطفي ليس عراقياً بل هو سوري، حتي يدخل في الفيلم اسم بلد معارض آخر للسياسات الأميركية.
والعرض المتزامن للمقدسات الإسلامية وأدوات الحرب، من التدابير الأيديولوجية الأخري التي يستخدمها هذا الفيلم. فعندما يرفع صوت الأذان، يصوب القناص العراقي بندقيته نحو أبناء أميركا ويقتلهم. طبعاً في منتصف الفيلم، تثار آراء منتقدي الوجود العسكري الأميركي في العراق أيضاً، ولكن بطل الفيلم يرد عليهم فوراً بالقول: أنتم ترون أن هذا المكان يعج بالشياطين، فهل تريدون أن يأتوا إلي "سان دييغو" و"نيويورك"؟! وبعد هذا الشعار، تعرض صور هجوم الجنود الأميركيين علي بيوت الناس العزل في العراق.
واللافت في الفيلم، أنه لا يورد أي إشارة إلي القاعدة الأيديولوجية لمتطرفي الوهابية الذين يدعون الإسلام كذباً، وعندما يتطرق إليهم ينظر إلي الجانب الإسلامي فيهم فحسب، هذا الجانب الذي حملوه نفاقاً وألحقوا من خلاله أكبر الأضرار علي الإسلام الحقيقي.