الوقت – أثارت الإستدارة الحاصلة في السياسات الخارجية التركية قلق المسؤولين السعوديين أكثر من أي وقت مضى فدخول دبابات الجيش التركي الى داخل الأراضي السورية لم يثر حساسية وقلق يذكر إلا في بعض عواصم الدول الخليجية.
لاشك ان هذا التدخل التركي لو حصل قبل عام من الآن فإنه كان يدل على المواجهة أو حتى إعلان الحرب على ايران وروسيا لكن في الأجواء الجديدة التي تشهدها السياسة الخارجية والإقليمية لأنقرة بعد الإنقلاب الفاشل في تركيا فإن هذه الخطوة التركية أصبح لها معنى آخر وليس فقط لم يؤد الى قلق وإدانة ايران وروسيا بل أثارت قلق الدول الخليجية وخاصة السعودية.
ان الساسة الأتراك يديرون في هذه الأيام دفة التغيير في سياساتهم الإقليمية والخارجية وليس معلوما كم سيكون هذا التغيير لكن المؤشرات تظهر بأن تركيا تنتهج سياسة جديدة وقريبة من ايران وروسيا في المنطقة.
من جهة أخرى أثبتت زيارة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن الى أنقرة ولقاءاته مع المسؤولين الأتراك ان أمريكا أيضا بإمكانها ان تكون جزءاً من المثلث الروسي الايراني التركي الجديد من أجل حل الأزمة السورية.
وقد بادرت وسائل الإعلام العربية خلال الأيام الماضية الى ابراز قلقها من السياسات الجديدة للحكومة التركية وحذرت هذه الحكومة من مغبة هذه السياسات، وقد أنذرت صحيفتا الشرق الأوسط والحياة الممولتان سعوديا خلال الأيام الماضية تركيا بسبب سياساتها الجديدة كما إدعت صحيفة عرب تايمز الكويتية في افتتاحيتها التي كان واضحا فيها غضب رئيس تحريرها "احمد الجراح" ان خطر الإرهاب الإقليمي الرئيسي لايأتي من جانب داعش بل من جانب ايران، وهكذا وجه هذا الصحفي العربي اللوم الى المسؤولين الأتراك بسبب عملياتهم العسكرية في الأراضي السورية.
ان التطورات الإقليمية الحالية تظهر بأن السعودية قد أصبحت وحيدة في سياساتها الاقليمية وان هذا الإنحدار السعودي قد بدأ منذ صيف عام 2015 وبالتزامن مع إبرام الإتفاق النووي مع ايران وفي الأسبوع الجاري إتضحت الأمور أكثر حينما اعلنت أمريكا تقليص عدد المستشارين الأمريكيين في حرب اليمن والآن وبعد إتباع تركيا لسياساتها الجديدة ودخول الدبابات التركية الى منطقة جرابلس السورية لمواجهة داعش فإن العزلة السعوية قد بلغت ذروتها.
ان المسؤولين السعوديين ليس فقط يشعرون الآن بسحب اليد الامريكية من وراء رؤوسهم بل يشاهدون سير الحكومة التركية في فلك آخر، ويمكن ان يتضاعف الخطر بالنسبة للسعوديين ومغامراتهم المستمرة منذ عامين اذا إنضمت دول عربية أخرى في الخليج الفارسي مثل قطر الى النهج التركي الجديد.
السعودية التي تعيش الآن أكبر توتر في تاريخ علاقاتها الإقليمية مع ايران تشعر بأنها تخسر ايضا حلفائها الدوليين والإقليميين.
ويمكن ان تكون لروسيا وايران خطط لمستقبل سوريا مع ضوء أخضر أمريكي بعدم إعطاء الجماعات المدعومة من الرياض أي دور في سوريا أو حتى يتم القضاء على هذه الجماعات على يد جماعات وأطراف أخرى تنشط في سوريا.
ان الإستدارة الأخيرة في السياسة الخارجية التركية قد أقلقت المسؤولين السعوديين أكثر من أي جهة أو دولة أخرى، ولاريب ان دخول أرتال الدبابات التركية الى سوريا لو حدث في الشهور الماضية لكان يسعد المسؤولين السعوديين ويقلق ايران وروسيا لأن هذه الخطوة التركية في الأجواء السابقة كانت لها معانٍ أخرى، صحيح ان الروس قالوا في أحد مواقفهم إنهم قلقون من هذه الخطوة لكن نظرا الى اللقاءات والتنسيق الجاري بين مسؤولي البلدين في أعلى المستويات لايبدو ان الإعلان الروسي هو إعلان جدّي، لكن دخول دبابات الجيش التركي الى الأراضي السورية في الأوضاع الداخلية التركية الجديدة له معانٍ أخرى لأن المسؤولين الأتراك قد أجروا في الأيام الماضية مفاوضات مسهبة مع نظرائهم الايرانيين والروس ويبدو ان هجومهم على جرابلس لم يكن من دون تنسيق.
الإستدارة التركية الأخيرة في السياسة الخارجية تسببت بخسارة السعوديين لدولة مهمة من الإئتلاف الذي يقودونه في المنطقة وهذا الحدث يعني للساسة السعوديين الدخول في مرحلة من التراجع والعزلة في سياساتهم الإقليمية، وكان يمكن التكهن بمثل هذا التغيير منذ الليلة التي شهدت الإنقلاب العسكري الفاشل في تركيا، أي الليلة التي نام فيها المسؤولون السعوديون في السرير دون إدانة الإنقلاب في تركيا على العكس من بعض المسؤولين الايرانيين والقطريين الذين سهروا الليل وأدانوا الإنقلاب بسرعة، وهكذا أثار السعوديون إنزعاج وترديد المسؤولين الأتراك.