الوقت – أدى التوقيع على إتفاقية أوسلو في عام 1993 إلى استئناف الكيان الإسرائيلي لعمليات تهويد القدس لأن بنود هذه الإتفاقية لم تتطرق إلى موضوع مستقبل القدس وأرجأت إتخاذ القرار بهذا الشان الى مفاوضات المرحلة النهائية، وقد بقيت 74 بالمئة من مساحة القدس الشرقية تحت السيطرة الإسرائيلية و14 بالمئة تحت سيطرة الفلسطينيين، وإتخذ الإسرائيليون قرارا بإستمرار الإستيطان لطرحه كأمر واقع وحقيقة جغرافية تمنع حصول أي اتفاق فيما يتعلق بالقدس.
لقد تم تقسيم القدس في عام 1947 حسب القرار الدولي رقم 181 وتم تحديد مساحة القدس وهي 110 آلاف كيلومتر مربع وكان سكانها 200 ألف شخص. شكل كل من اليهود والفلسطينيين نصف هذا العدد لكن بعد وقوع حربي 1948 و1949 غادر 60 ألف عربي القدس الغربية ومن ثم بادر الكيان الإسرائيلي الى احتلال مناطق شاسعة من القدس، وتم تخصيص 2220 دونما أي 11.48 بالمئة من أراضي القدس للمناطق الفلسطينية التي تشرف عليها الأردن. وإحتل الإسرائيليون 84.21 بالمئة من أراضي القدس وأصبح 4.39 بالمئة أيضا تحت إدارة الأمم المتحدة، وفي السنين التالية استخدم المحتلون أسلوبي إبطال وسلب بطاقات الإقامة الدائمة والتهجير القسري والجماعي للسكان لتغيير التركيبة السكانية في القدس الشرقية.
وتجري عمليات بناء المستوطنات في القدس الشرقية في داخل المدينة وذلك خلافا لباقي المناطق المحتلة وقد بلغ عدد اليهود في المستوطنات 190 ألف شخص، ويشكل القدس الشرقية 14 بالمئة من مساحة الضفة الغربية.
وعمدت السلطات الإسرائيلية الى قضم الأراضي الفلسطينية عبر إصدار قوانين منع إصدار تراخيص بناء للفلسطينيين ومنع الفلسطينيين من بناء مبانٍ أعلى من 3 طوابق لكن علو المباني اليهودية يصل الى 8 طوابق، ونظرا الى زيادة عدد اليهود بات الفلسطينيون الساكنون في القدس مجبرين على مغادرة مناطقهم والنزوح خارج نطاق مدينة القدس أو الضفة الغربية لأن هذه المناطق لم تشهد تطبيق قوانين مشددة مثل القدس وكانت أسعار الأراضي فيها رخيصة قياسا بالقدس وفي المقابل شجعت السلطات الإسرائيلية المستوطنين على توسيع مناطقهم وأصبحت المناطق العربية صغيرة شيئا فشيئا وتم تهجير العرب وبناء طرق تربط المستوطنات ببعضها البعض وهذا جعل المناطق العربية والقرى المحيطة بعيدة عن بعضها البعض ومجزأة.
ونتيجة لهذه الإجراءات الإسرائيلية أصبحت القدس محاصرة بـ 4 أحزمة من المستوطنات وهي:
- المستوطنات التي تحاصر القدس وتربطها بالمناطق الغربية
- المستوطنات التي تحاصر الأحياء العربية الواقعة خارج السور القديم لمدينة القدس
- المستوطنات التي بنيت من أجل محاصرة القدس الكبيرة والشرقية والغربية وتهويدها
- المستوطنات التي تفصل مدينة القدس عن المناطق العربية في الجهة الجنوبية الشرقية مثل الإستيطان في منطقة أبو غنيم
ومنذ عام 2011 يتابع الكيان الإسرائيلي بناء المستوطنات والوحدات السكنية الإستيطانية في المناطق المختلفة في القدس الشرقية بشكل واسع وهذه العمليات تشمل توسيع الإستيطان في 16 مستوطنة رئيسية وبناء المجمعات السكنية في داخل الأحياء العربية بشكل متزايد حيث يكون هناك مجمع سكني في واحدة من هذه الأحياء، والتخطيط والسعي لبناء مستوطنات يهودية جديدة في المناطق الإستراتيجية بهدف إكمال مشروع حصار الضفة الغربية، كما هناك مشاريع اسرائيلية كبيرة ومنها بناء 50 ألف وحدة سكنية في المستوطنات اليهودية في القدس الشرقية بهدف زيادة عدد الوحدات السكنية في المستوطنات اليهودية وبناء المجمعات اليهودية في الأحياء العربية وقد تم إقتراح بناء 20 ألف وحدة سكنية أمام لجان التخطيط وتم الموافقة على قسم من ذلك بشكل نهائي.
والخريطة أعلاه تظهر القدس الشرقية التابعة للفلسطينيين، فاللون الأزرق يحدد المستوطنات الإسرائيلية المبنية في القدس الشرقية واللون الأحمر يحدد الخطط المستقبلية لتوسيع المستوطنات، والنقاط المدوّرة الحمراء هي ايضاً مستوطنات إسرائيلية تقع بجوار الفلسطينيين.
النتيجة
ان مراجعة السياسات الإسرائيلية تظهر بأن توحيد القدس كعاصمة للكيان الإسرائيلي وتوسيع الإستيطان فيها أمر تجتمع حوله كافة الأطراف والأحزاب السياسية الإسرائيلية، كما يعود تأجيل المفاوضات حول وضع القدس والمستوطنات واللاجئين وحدود فلسطين الى المفاوضات النهائية بالنفع على الكيان الإسرائيلي، فهذا الكيان استطاع على الرغم من توقيع إتفاقية أوسلو أن يفرض الإستيطان كواقع جغرافي يمنع حصول أي اتفاق حول القدس.
کما أن إزدياد عدد اليهود في داخل القدس وأكنافها هي سياسة إستراتيجية للكيان الإسرائيلي من أجل ضمان السيطرة وما يسمى بالسيادة، وحسب هذه الخطة يتم انتشار السكان اليهود في كافة مناطق القدس الشرقية وعبر بناء أحياء قريبة من بعضها البعض ومتصلة بالكيان الإسرائيلي، ومن جهة أخرى إزداد النمو السكاني في المستوطنات المذكورة وأدى الى نوع من التوازن السكاني أمام الفلسطينيين في القدس فهناك الان 165 ألف يهودي مقابل 170 ألف فلسطيني.
إن اتفاقية أوسلو الموقعة في عام 1993 أدت إلى إستئناف تهويد القدس من جانب الكيان الإسرائيلي لأن بنود هذا الإتفاق لم تشر إلى موضوع مستقبل القدس الشرقية وأجلت أي إتفاق حول هذه القضية الى مفاوضات الوضع النهائي، والآن من المتوقع ان تصل نسبة الأراضي التي يسيطر عليها الكيان الإسرائيلي في القدس الى 80 بالمئة مع تنفيذ المشاريع الإستيطانية الجديدة وبناء المستوطنات.