الوقت - سياسات السلطات السعودية تثبت يوما بعد يوم فشلها وعدم قدرتها على إدارة الأراضي المقدسة، وترجيح كفة الميزان العادلة من أجل حل المشكلات الداخلية التي تعترضها.
فبعد أن تحول أداء فريضة الحج الى هاجس ومصدر قلق للحجاج، بسبب حادثة منى التي راح ضحيتها أكثر من 769 وفاة و934 إصابة، ناهيك عن تحميل السلطات السعودية الحجاج مسؤولية هذه الكارثة، مستنكرة عدم كفاءتها في الإِشراف على تنظيم الحج.
تصر السلطة السعودية على سياساتها المهينة لأبسط حقوق المسلمين في أراضيهم المقدسة، ففي الآونة الأخيرة، ضجّت أخبار عن أزمة عمال باكستانيين تقطعت بهم السبل في السعودية، بعدما تسبب الهبوط في أسعار النفط (على خلفية عدوان جيش السعودية السافر على اليمن) بتسريحات جماعية للعمال هناك دون سابق إنذار. وغياب اي ضمان حقيقي بقبض مرتباتهم ولا حتى تمكنهم من توفير أبسط سبل العيش، الى أن يعثروا على أحد ينجدهم ليتمكّنوا من العودة الى بلدانهم.
الممثلون عن العمال يكشفون حجم المعاناة
أكثر من 10 آلاف عامل باكستاني عالقين في السعودية دون نقود منذ قرابة 9 أشهر، كما أن إقاماتهم منتهية منذ مدة وجيزة، وليس بحوزتهم الآن أية نقود ليتمكنوا من تأمين قوتهم اليومي ولا حتى ليقدروا على العودة الى بلدانهم في حال قرروا المغادرة.
رفعت رشید، وحید اسلم، شبیر بهتی ومقصود اعوان، هم ممثلون عن العمال الباكستانيين في السعودية، وتمكنوا من كشف هذه المعلومات خلال مقابلة أجرتها معهم إحدى الشركات، ذكروا فيها: يبعث العمال الباكستانيون المقيمون في السعودية كل عام حوالي 20 مليار دولار لبلدهم، حيث يشكل هذا المبلغ جزءا مهما من أجل تأمين الميزانية وتحسين الأوضاع الإقتصادية في هذا البلد.
كما كشف تقرير مطول للصحفي روري دوناغي، نشره موقع "ميدل إيست آي" أن آلاف العمال الباكستانيين تركوا عالقين في السعودية دون نقود. ويشير الكاتب إلى أن عددا من الباكستانيين الذين يعيشون في مدن مختلفة من السعودية قالوا: إن الشركات الموظفة لم تدفع أجور عشرات الآلاف من العمال الأجانب، لافتين إلى أن الوضع أصبح أكثر صعوبة.
أحلام العمال بالسعودية تتحول لكوابيس
وينقل موقع "ميدل إيست آي" عن دولت خان، البالغ من العمر 40 عاما، وهو من منطقة سوات في شمال باكستان، قوله إنه لم يستلم راتبه الشهري، ومقداره 7500 ريال سعودي "ألفا دولار أمريكي"، على مدى الأشهر الثمانية الماضية.
وعمل خان بحسب التقرير على مدى الثماني سنوات الماضية مسؤول الصحة والسلامة في شركة البناء السعودية العملاقة "Oger"، التي تدين لموظفيها بمبلغ 800 مليون دولار.
ويلفت دوناغي إلى أن السعودية سجلت رقما قياسيا في عجز الميزانية لعام 2015، حيث بلغ العجز 98 مليار دولار، وذلك بشكل رئيسي بسبب التراجع الكبير في أسعار النفط، ولذلك جمد الكثير من مشاريع البناء أو أنها ألغيت. ويرجع خبراء هذا التراجع المدوي في الإقتصاد الى السياسة السعودية الخاطئة في الخارج، كتكلفة عدوانها الباهظ على اليمن، ودعمها للإرهابيين في كل من سوريا والعراق وحتى بعض المجموعات في ليبيا.
انعكاسات الأزمة على عائلات الباكستانيين
وينوّه التقرير إلى أن عائلة خان في باكستان تحس بالمعاناة أيضا، حيث أن خان كغيره من العمال الأجانب يرسل معظم راتبه لعائلته المكونة من زوجة وخمسة أطفال، وقد أخبر خان "ميدل إيست آي" أن زوجته اضطرت لبيع جميع حليها كي يستطيع ابنهما الذهاب للجامعة هذا العام، ويقول خان: لم يتبق شيء آخر لتبيعه لأبنائي الآخرين.. فزوجتي وأطفالي يعانون، ولا أدري ماذا سنفعل.
ولا تكمن المشكلة فقط بحسب ما أورده الموقع، في أن خان أصبح اليوم مفلسا، بل لأنه أصبح كالسجين، فهو لا يستطيع المغادرة دون أن يجمع ما يكفي من النقود لشراء تذكرة طائرة، وهو أيضا لا يريد أن يغادر دون أن يستلم مستحقاته، ويقول خان للموقع: لا نستطيع مغادرة البلد وننتظر نقودنا، إن حصلت على نقودي فسأغادر البلد، وأذهب إلى كندا أو أمريكا.
واتهم خان السلطات السعودية بالكذب مشيرا الى أنه لا يشعر بالتفاؤل، وقال: إن المسؤولين السعوديين أخفقوا مرارا في الوفاء بوعودهم بأن الشركة ستدفع المستحقات، وأضاف: أتى بعض المسؤولين السعوديين، وقالوا لنا بأننا سنتسلم مستحقاتنا، لكنهم يقولون هذا على مدى ثلاثة أشهر، وإلى الآن لم نستلم ريالا واحدا منهم.
تطور الأمور إلى أزمة انسانية خطيرة
وربما سيتحول الوضع الى أكثر من مجرد قضية أموال، مع وصول درجات الحرارة إلى 40 درجة مئوية، فقد حذّر خان من تطور الأمور إلى أزمة انسانية خطيرة، وقال خان: إن الماء والكهرباء قد قطعا عن معسكر العمل لأشهر.
وأدى عدم دفع الرواتب إلى انتحار عامل باكستاني على الأقل، بحسب ما قاله سجاد بناليس من إسلام أباد، البالغ من العمر 33 عاما، وفضح شاب باكستاني بالغ من العمر 21 عاما من سيالكوت في شرق باكستان، ظلم الشركات في معاملتهم، ويقول حسين إنه اضطر وثلاثة باكستانيين آخرين للعيش في الشوارع لمدة تسعة أشهر، وكان المصدر الوحيد للغذاء والماء هو المسجد، ويضيف: جلسنا في الرياض ولم يكن لدينا شيء، مشيرا إلى أن معظم أكلهم هو ما يتبقى من تمور في المسجد.
وفي السياق ذاته يعاني عدد كبير من العمال الهنود أيضا من أزمة السعودية الاقتصادية، ويبلغ عددهم نحو 10 آلاف. ووفقاً للحكومة الهندية، هناك ما يقارب سبعة آلاف وسبعمئة عامل هندي عالق في عشرين مخيم في جميع أنحاء السعودية.
وأرسلت الهند أحد مسؤوليها في وزارة الخارجية، وهو فيجياي سنغ، لمحاولة ترتيب رحلات عودة لآلاف العمال الذين لا يتملكون من المال ما يمكنهم من العودة إلى بلدهم.
وأما الفلبينيون، فقد صرحت حكومتهم: بينما ينتظر العمال مدفوعات نهاية الخدمة ومطالباتهم المالية الأخرى، توقف بعض أطفال هؤلاء العمال الفلبينيين العاملين في الخارج، عن الذهاب إلى مدارسهم.
من جهته قال مكتب العمل في الخارج في سريلانكا: إن هناك مائة سريلانكي على الأقل ممن تأثروا بالأزمة.
وقالت ممثلية نيبال في جدة إنها تتلقى المزيد من الشكاوى من مواطنيها حول الرواتب المتأخرة لعدة أشهر.
وقد تسبب انخفاض أسعار البترول ونفقات العدوان على اليمن في الإضرار الشديد بقطاع البناء في السعودية، وظهرت جسامة الأزمة بشكل أوضح خلال الأيام القليلة الماضية، بعد أن بدأت حكومات متعددة في مساعدة مواطنيها الذين تعرضوا لتلك الأزمة.
يبدو أن المتربعين على قمة الهرم السعودي غير مدركين بأنهم يقودون بلادهم نحو مستنقع العزلة الدولية، لاسيما بعد جرائمهم الشنعاء بحق أطفال اليمن وشعبه، علاوة على تمويلهم وتسليحهم للمجموعات الارهابية على غرار داعش الارهابي وجيش الفتح المنتمي لتنظيم القاعدة.
