الوقت- في ظل المعركة المُحتدمة في حلب، يجري الحديث عن ترقُّبٍ أسرائيلي للأوضاع في سوريا. فالتقارير الأمنية الصادرة عن الكيان الإسرائيلي، تنبؤ بأن تل أبيب تنظر بعين القلق، للقضاء على الإرهاب، وقلب الموازين بشكل كبير لصالح محور المقاومة. وهو الأمر الذي يختلف في نتائجه، عن آمال وتوجهات القيادة الإسرائيلية، والتي وجدت في الحرب السورية بوابتها للتنفس، وإزاحة المخاطر عنها، بسبب إنشغال الأطراف في معركة استنزافٍ عسكري. وهو ما يجعل هدف إطالة أمد الحرب، الشغل الشاغل للعقل العسكري الإسرائيلي. فيما يمكن القول أن مجريات الأمور اليوم، باتت تُقلق الكيان الإسرائيلي، الذي بات يشعر بتراجع الدور الأمريكي، وإستعداد كلٍ من إيران وروسيا وحزب الله والنظام السوري، لإعلان الإنتصار. فماذا في المخاوف الإسرائيلية حول نتائج معركة حلب وانتصار محور المقاومة فيها؟ وكيف حاولت تل أبيب الإستفادة من الواقع السوري؟
مخاوف إسرائيلية تعكس قلق القيادة العسكرية
يعتبر المحللون الإسرائيليون أن أكثر ما يبعث بالقلق في معركة حلب، هو أن تقدم النظام السوري وحزب الله في الميدان، يؤكد تراجع الدور الأمريكي في الشرق الأوسط والذي حلَّ مكانه التعاظم الروسي الإيراني السوري. وهو ما اتفق عليه كلٌ من محلل الشؤون العربيّة في القناة الثانية الإسرائيلية "إيهود يعاري"، ومُحلل شؤون الشرق الأوسط في القناة العاشرة "تسيفي يحزقييلي"، مؤكدين أن انتصار الجيش السوري في حلب، يعني انتصار النظام السوري في الحرب السورية بعد خمس سنواتٍ من الصراع.
من جهته أكد مُحلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة "هآرتس" العبريّة، "تسيفي بارائيل"، أن انتصار الجيش السوري لن يقف في الميدان العسكري، بل سيُعيده بقوة كطرفٍ مفاوض ليس فقط فيما يخص الأزمة السورية وحسب بل على صعيد المنطقة. فيما يوضح السلوك الأمريكي بحسب رأيه، إفلاس واشنطن، في توحيد صفوف ما يُسمى بالمعارضة السياسية، وكذلك فشلها في لمِّ شمل المجموعات الإرهابية، مما جعلها عاجزة أمام الخيارات الروسية، لا سيما فيما يخص بقاء الرئيس بشار الأسد.
آخر دراسة لمعهد راند: إقرارٌ إسرائيلي بخسارة الرهان على الإرهاب في سوريا
نشر معهد راند للدراسات بداية الشهر الحالي، مقالاً للكاتب المتخصص في السياسات الدولية "لاري هانيور" تحت عنوان، "Israel's Interests and Options in Syria" وهو ما ترجمته "الخيارات والمصالح الإسرائيلية في سوريا". وهي دراسة تصف نظرة الكيان الإسرائيلي للصراع في سوريا وإيجابيات وسلبيات هذا الصراع بالنسبة للمصالح الإسرائيلية. فيما خلصت الدراسة الى أن الوضع الحالي هو الأمثل للكيان الإسرائيلي، حيث أن إبقاء فتيل الأزمة السورية مشتعلاً يُبعد الخطر عن تل أبيب، ويُشغل الأطراف فيما بينها. في حين أقرَّت الدراسة الى أن الرهان على الإرهاب لم يُحقق الهدف المرجو من الحرب، على الرغم من أنه ساهم في دمار سوريا وإطالة زمن الحرب.
وهنا يمكن تلخيص أهم ما جاء في الدراسة لناحية رؤية الكيان الإسرائيلي للحرب السورية والتي تتطابق مع أهداف تل أبيب، على الشكل التالي:
- يُعد التقاتل المذهبي والذي أسمته الدراسة "الصراع السني الشيعي"، الأفضل بالنسبة للكيان الإسرائيلي، حيث يجعلها بعيدة عن الإستهداف، أو كونها العدو الوحيد للأطراف، التي انشغلت بمحاربة بعضها. وهنا أشارت الدراسة الى أن الغموض في مستقبل سوريا يقتضي إطالة الحرب وهو ما يصب في صالح الكيان الإسرائيلي.
-لا تهتم تل أبيب بمجريات الصراع بل تحاول تجييره لصالحها. خصوصاً من خلال التدخل بطريقتها، لحفظ مصالحها الأمنية الإستراتيجية، عبر تقليل النفوذ الروسي والإيراني في الأزمة، ومنع نقل أسلحة متطورة الى حزب الله، ومنع وصول النظام السوري لمرحلة يُهدد فيها الكيان الإسرائيلي، خصوصاً في منطقة الجولان والحدود مع فلسطين.
- النقطة الأهم في الأهداف الإسرائيلية، تتعلق بهضبة الجولان، وهي الأهم من الناحية الجيوسياسية والجيوعسكرية بالنسبة لتل أبيب، حيث تسعى لتقويض الحق السوري المتعلق بمرتفعات الجولان، الى جانب منع إنشاء بنية تحتية أو قواعد للعمليات على طول الحدود الإسرائيلية.
ما هي الإجراءات التنفيذية التي قامت بها تل أبيب لتحقيق ذلك؟
فيما يتعلق بالإجراءات التنفيذية التي قامت بها تل أبيب لتحقيق هذه الأهداف، صنفت الدراسة هذه الإجراءات الى أربعة مجالات رئيسية وهي:
- الدفاع عن الأراضي التي تقع تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي واعتبارها خط دفاع أمامي من الناحية العسكرية.
- إستهداف حزب الله ومنع عمليات نقل السلاح التي تجري، من خلال قصف المخازن أو الشحنات التي تهدف لدعم المعارك.
- توفير الدعم اللوجستي والإستخباراتي والعسكري وكل ما يمكن تأمينه من دعم، للجماعات المقاتلة للنظام السوري.
- السعي لتحقيق شراكة وتعاون مع روسيا، عبر وضع خطة عمل تنسيقية مشتركة.
لأي نتائج خلصت الدراسة؟
على الرغم من الأهداف والرؤية فقد خلصت الدراسة الى النتائج التالية:
أولاً :بقي التأثير الإسرائيلي محدوداً في الحرب السورية بسبب عدم قدرة الطرف الإسرائيلي على مجاراة النفوذ الإيراني والروسي، وقدرتهم على التكامل في الأهداف والأساليب.
ثانياً: الأثر على نظام بشار الأسد كان محدوداً بسبب فشل الجماعات التي تحاربه عسكرياً وسياسياً، لأسباب تعود لإختلاف الأطراف الداعمة وتشابك مصالحها.
ثالثاً: نجاح في استبعاد جبهة الجولان، ومنع توتر الأمور على طرف الحدود السورية الفلسطينية، مما لا يشكل خطراً حالياً على الأمن القومي الإسرائيلي.
تجتمع الدراسة التي أوردناها مع المخاوف التي يعيشها الكيان الإسرائيلي، والتي أوردنا جزءاً منها. لنقول أن الواقع السوري الحالي، على الرغم من أنه يُوصف بالحرب الشرسة، فإن المنعطف الذي ستحسمه الأيام المقبلة، هو الذي يُحدِّد قوة الأطراف ليس فقط فيما يخص الأزمة السورية، بل المنطقة. فيما يبدو واضحاً أن المخاوف الإسرائيلية، ليست لأسبابٍ مجهولة، بل بسبب إدراك الطرف الإسرائيلي بأن نتائج الأمور لن تكون في صالحه.