الوقت- الكل يدرك جيداً ان الكيان الاسرائيلي الذي يفرض حصاراً برياً وبحرياً ظالماً على قطاع غزة منذ مدة طويلة لايعبأ بالقوانين الدولية التي تدين هذه الانتهاكات لأنه يعلم أن المنظمات الأممية (وعلى رأسها الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي) لا تحرك ساكناً في هذا المجال بسبب الفيتو الامريكي الذي افشل حتى الآن العشرات إن لم نقل المئات من القرارات التي تطالب بمعاقبة هذا الكيان ورفع الظلم عن الشعب الفلسطيني.
ورغم الخسائر والاضرار الجسيمة التي يتحملها الفلسطينيون في غزة جراء الحصار والعدوان الاسرائيلي المتواصل على القطاع الذي تحول الى سجن كبير بسبب هذه الانتهاكات لا زال المجتمع الدولي يلوذ بالصمت الرهيب وكأن الامر لا يعنيه.
ويمكن وصف المساعي الخجولة التي تبذلها بعض الاطراف هنا وهناك بين الحين والآخر لرفع الحصار عن القطاع بأنها لاتتعدى كونها محاولات يراد منها ذر الرماد في العيون وقلب الحقائق لخداع الرأي العام العالمي بأن هناك من يدافع عن الفلسطينيين ويتصدى لجرائم الكيان الاسرائيلي الذي بات واضحا وجليا للقاصي والداني والذي لم يقتصر على جانب واحد فقط، بل شمل كافة تفاصيل الحياة.
زيارة مبعوث اللجنة الرباعية الدولية "توني بلير" الى غزة التي وصلها الاحد عبر حاجز بيت حانون ( إيرز) شمال القطاع تأتي ضمن سلسلة من الزيارت التي قام بها عدد من المسؤولين الدوليين بينهم الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" الى غزة منذ انتهاء العدوان الإسرائيلي على القطاع في الصيف الماضي والذي أدى إلى تدمير البنية التحتية للقطاع وعدد كبير من المباني والطرقات والمدارس ومحطة توليد الكهرباء وضخ المياه، وأنظمة الصرف الصحي وتسبب بقتل وجرح الآلاف من الفلسطينيين وتشريد مئات آلاف آخرين من منازلهم التي حولتها الآلة الحربية الاسرائيلية الى أنقاض في مشاهد وحشية وهمجية أذهلت العالم.
ويؤكد المراقبون أن عملية إعادة إعمار غزة التي وعدت بها بعض الدول لازالت تسير ببطئ شديد لإنها لا تتم إلا وفق احتياجات اسرائيل الأمنية ، وفي هذا السياق حذرت وكالات الاغاثة الدولية ومن بينها وكالة " أوكسفام " من أن إعادة البناء هذه سوف تستغرق ۵۰ عاماً إذا استمرت على نفس الوتيرة التي يتم خلالها التضحية بالحاجات الإنسانية للفلسطينيين وبحقهم المشروع في استعادة الارض والوطن الذي اقرته القوانين الدولية.
والأمثلة على العربدة الاسرائيلية في غزة لا تعد ولا تحصى والشواهد كثيرة على هتكها لحقوق الإنسان، ولكن ما يثير الدهشة هو التخاذل الدولي المطبق عن مساندة فلسطيني القطاع الذين تشير الاحصاءيات الى ان 70 بالمئة منهم يعيشون تحت خط الفقر بسبب الدمار الهائل الذي خلفه العدوان والحصار الذي تسبب بشحة المواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الطبية.
وفي اطار سياسة العزل العنصرية التي يتبعها الكيان الاسرائيلي خصوصا خلال الأعوام الأخيرة، بات الكثير من حقوق الإنسان في غزة ومن بينها الحق في حرية الحركة والتنقل والحياة الأسرية والحصول على الخدمات الصحية والتربية والتعليم والعمل يخضع لهذه السياسة التي تتميز بالقسوة المفرطة والمغايرة لجميع الاعراف والقوانين الدولية.
كما تم تقييد استيراد وتصدير البضائع من وإلى القطاع وايقافها بصورة تامة في أحايين كثيرة ما ادى الى أن يفقد الآلاف من الفلسطيننين مصدر رزقهم، ويمكن القول أنه لم يبق فلسطيني واحد لم يدفع الثمن الباهظ لهذا الحصار والذي تسبب بعزل غزة بشكل شبه تام عن العالم الخارجي، فيما اصبح الخروج لتلقي العلاج في خارج القطاع ضرب من الخيال ومرهون بالانتظار الطويل.
والسؤال المطروح هو: لماذا يصمت العالم أو يسجل احتجاجا خجولاً بعض الاحيان على الانتهاكات والمجازر التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي في غزة والتي لا تستثني حتى الأطفال والنساء والشيوخ؟ في الاجابة على هذا السؤال يعتقد المراقبون أن ما يجري في غزة يأتي في إطار إستراتيجية عالمية تقودها امريكا ودول الغرب تهدف الى منح الكيان الإسرائيلي فرص أكبر لمواصلة عدوانها الدموي على القطاع من خلال تكريس الجهود لتشويه الحقائق، ولكن مع ذلك لا زال الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة يواصلون نضالهم بعزم وارادة لا تلين لنيل حقوقهم رغم تجاهل المنظماتالدولية لمسؤولياتها الأخلاقية والقانونية لإعادة هذه الحقوق التي دفع من أجلها الفلسطينيون الغالي والنفيس ولحق بهم من المآسي ما لا يمكن عدّه وتقصيه على مدار سنين نكبتهم منذ أكثر من ستة عقود من الزمن.