الوقت- في الوقت الذي تبنى الكونغرس الأميركي قانوناً يُجيز تقديم المساعدات العسكرية إلى كييف، الأمر الذي لقي ترحيباً في أوكرانيا، أعربت موسكو عن أسفها العميق لهذا القرار. فما هي حقيقة الأهداف الأمريكية من هذا القرار والذي جاء بعد أربعة أيامٍ فقط من إعلان التهدئة في أوكرانيا شرق البلاد؟
أولاً: أوكرانيا والموقف الأمريكي:
وصفت أوكرانيا القرار الأمريكي بأنه تاريخي، في حين أعلنت إدارة أوباما أن الرئيس الأمريكي لن يعمد إلى تزويد القوات الأوكرانية بالسلاح الفتاك، بل إنه يفضل تسليم أوكرانيا معداتٍ "غير فتاكة" مثل الرادارات والمناظير الليلية والسترات الواقية للرصاص، وهو ما سعت أوكرانيا منذ أشهر للحصول عليه، وذلك من خلال محاولتها إقناع حلفائها ببيعها أسلحة، تقول أنها تفتقر إليها في مواجهة المتمردين الموالين لروسيا. ودعت كييف من جهة أخرى الاتحاد الأوروبي إلى أن "يحتفظ" بإمكانية فرض عقوبات جديدة مشددة على موسكو، بينما وصف سفيرها في بروكسل كونستانتين يليسييف الدور الروسي بأنه "دور مموَّه" وأضاف أن روسيا "تمارس لعبة" في النزاع القائم. ويأتي سعي أوكرانيا الدؤوب للحصول على المساعدات هذه، في وقتٍ أعلن فيه وزير الدفاع الأوكراني ستيبان بولتوراك أن الجيش سيستدعي 40 ألف جندي خلال 2015، وبالتالي سيرتفع عديد القوات المسلحة السنة المقبلة إلى 250 ألف رجل مقابل 232 ألفاً حالياً، مما سيضاعف الميزانية العسكرية في هذا البلد، الذي بات على شفير الإفلاس ويحتاج بشكل عاجل إلى مليارات الدولارات من المساعدة الغربية، لتبلغ نحو 2.4 مليار يورو.
ثانياً: تعاطي روسيا والموالين لها مع الأزمة الأوكرانية:
أعربت موسكو عن "أسف عميق" لتصويت الكونغرس الأميركي على هذا النص، وقالت وزارة الخارجية الروسية أن القرار الصادر، تم تبنيه من دون نقاشٍ أو تصويتٍ حقيقي. لكنه وبالرغم من هذا القرار الأمريكي المحرِّض للنزاع بين الطرفين، بدا أن الجيش والمتمردين الموالين لروسيا يحترمون الهدنة المعلنة في شرق أوكرانيا فبالرغم من أن مناطق شتشاستيا ولوغانسك شهدت إطلاق نارٍ، أكدت مصادر أن النيران كانت أقل كثافة من المعتاد.
في الوقت عينه لفت رئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس الدوما الروسي "الكسي بوشكوف" الى أن القمة الرباعية المنعقدة في مينسك توفر فرصة لتحقيق السلام في أوكرانيا. واشار في تصريح نقله التلفزيون الروسي الى أن القمة تعمل على بلورة اتفاق يحول دون استئناف العمليات العسكرية في شرق اوكرانيا. واضاف ان روسيا وفرنسا وألمانيا تعمل من اجل إقرار إتفاقية للفصل بين المتحاربين واقامة مناطق عازلة.
ويطالب المتمردون الموالون لروسيا بأن تشمل المفاوضات "رفع الحظر الاقتصادي" عن المنطقة التي يسيطرون عليها حيث توقفت كييف تماماً عن تمويلها. وتشمل مطالبهم الأخرى تبادل الأسرى وتطبيق قانونين أوكرانيين ينصان على العفو عن بعض المتمردين ومنح المناطق التي يسيطرون عليها مزيداً من الحكم الذاتي.
ثالثاً: حقيقة الموقف الأمريكي والمعارضة الأوروبية:
في ظل هذه الأحداث المتسارعة، أعلن البيت الأبيض، يوم الثلاثاء الفائت أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما حض في اتصال هاتفي، نظيره الروسي فلاديمير بوتين على إيجاد حل سلمي للنزاع في أوكرانيا وذلك عشية قمة مينسك. وأعرب عن قلقه حيال ما سماه "استمرار دعم روسيا للانفصاليين"، وحذر أوباما من أن فشل مفاوضات السلام التي تقودها فرنسا وألمانيا سيكون له تداعيات على موسكو.مشددا خلال الإتصال على "أهمية أن ينتهز الرئيس بوتين الفرصة التي تشكلها المفاوضات الراهنة بين روسيا وفرنسا وألمانيا وأوكرانيا في محاولة لإيجاد حل سلمي للنزاع". ومن جهةٍ أخرى قال البيت الأبيض في بيان "اذا واصلت روسيا أعمالها العدوانية في أوكرانيا وخصوصاً عبر إرسال جنود وأسلحة وتمويل المتمردين، فان الثمن الذي ستدفعه روسيا سيزداد".
من جهةٍ أخرى أعرب بعض المسؤولين الأوروبيين إلى أن التحرك السريع الذي قاموا به في مؤتمر ميونخ للأمن قبل أيام، جاء رداً على تحرك امريكا العازمةِ توريد الأسحلة لكييف، وبمساهمةٍ بريطانية، وهو ما أعلن الأوروبيون اعتراضهم عليه بشدة. والسبب في ذلك يعود لخشيتهم من أن هذا التسليح الأمريكي لكييف سيؤدي لتغذية الصراع بين الطرفين الروسي والأوكراني، وليس سراً أن روسيا ستجد ذلك كافيا لتقديم دعم مكثف ومعلن للانفصاليين الذين أعلن الكرملين مسبقاً أن موسكو "لن تسمح" بهزيتهم.
إذاً إنها السياسة الأمريكية ذات الكيل بمكيالين، في العلن تدّعي السعي للسلام والعمل الدؤوب لتحقيقه، وفي الخفاء تقوم بتغذية الصراعات ومد حلفائها بالسلاح اللازم، هي سياسةٌ ليست بجديدةٍ على امريكا التي لطالما بنت هيبتها وأرست مصالحها على حساب الشعوب وتغذية الخلافات. أما فيما يتعلق بالأزمة الروسية الأوكرانية يبقى السؤال، ما هي المصلحة الأمريكية لتغذية الخلاف الروسي الأوكراني، في ظل هدنةٍ إتفق عليها الجانبان الروسي والأوكراني؟