الوقت - شهدت سوريا خلال الأسابيع القليلة الماضية سلسلة من التطورات السياسية والميدانية والتي يمكن من خلال قراءة أبعادها إستشفاف ما ستؤول اليه الأحداث في هذا البلد.
وكان من أبرز تلك التطورات توّلي "جواد أبو حطب" رئاسة ما يسمى "الحكومة المؤقتة للمعارضة السورية" خلفاً لـ "أحمد طعمة" الذي قدّم إستقالته بعد أن وجهت له إنتقادات بأنه "لم يكن يقوم بمهامه بشكل كاف".
ومنذ ذلك الحين، أيّ قبل حوالي 40 يوماً بدأ "أبو حطب" تحركاته لتشكيل حكومته بالتشاور مع ممثلي المجالس المحلية في مدن "إدلب وحماه وحلب واللاذقية" التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة في المعارضة السورية ومن بينها ما يسمى "الجيش الحر".
وجاء الإعلان عن حكومة أبو حطب في ظل هدنة هشّة بين ما يسمى المعارضة المعتدلة وحكومة الرئيس بشار الأسد، والتي تمخضت عن الإتفاق الأمريكي - الروسي قبل عدّة أشهر.*
ويعتقد البعض بأن أخطر ما إتخذته حكومة أبو حطب من مواقف خلال الأسابيع الماضية يكمن بنقل موقعها من تركيا إلى داخل الأراضي السورية، وأن تكون "حلب" مركز هذه الحكومة ووزاراتها.
ويبدو أن الإجتماعات التي عقدها أبو حطب مع ممثلي المعارضة السورية خصوصاً في إدلب واللاذقية لها علاقة بالزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس السابق للإئتلاف السوري المعارض "أحمد الجربا" إلى روسيا الأسبوع الجاري من أجل إقناع القيادة الروسية بالضغط على حكومة بشار الأسد للقبول بتشكيل هيئة حكم إنتقالي كامل الصلاحيات التنفيذية.
ورغم أن أبو حطب لم يتمكن حتى الآن من إيجاد هيكلية إدارية منسجمة لحكومته المزعومة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعات المسلحة، والتي يقع معظمها في مدن منفصلة عن بعضها البعض، إلاّ أنه يبدو أن هناك توافقاً ضمنياً بشأن هذا الموضوع مع الحكومة المركزية السورية، ويرى المراقبون مؤشرات على هذا التوافق من بينها وجود وزارة للتعليم تابعة لحكومة أبو حطب في جامعة حلب.
كما يبدو أن هناك توافق بين روسيا والإئتلاف السوري المعارض بشأن حكومة أبو حطب، وهو ما قد ظهر بشكل غير مباشر من خلال لقاء الجربا مع وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" الإثنين الماضي، الذي ناقشا خلاله موضوع إستئناف المفاوضات السورية، وتباحثا أيضاً بشأن ما تعرف بـ "قوات النخبة السورية" الجناح العسكري لما يسمى "تيار الغد السوري" الذي يتزعمه "الجربا".
ولا ننسى في هذا المجال الإشارة إلى أن روسيا وأمريكا كانت قد إتفقتا في وقت سابق على ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية، إلاّ أن الخلاف لا يزال قائماً بين الجانبين بشأن مصير الرئيس بشار الأسد.
وهناك مؤشر آخر من شأنه أن يعزز الإعتقاد بوجود طبخة روسية - أمريكية لتسوية الأزمة السورية سياسياً، وهذا المؤشر يكمن بالإعتذار الرسمي الذي تقدم به مؤخراً الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" إلى نظيره الروسي "فلاديمير بوتين" بشأن طائرة السوخوي الروسية التي أسقطتها أنقرة قبل نحو سبعة أشهر. وتضمن إعتذار أردوغان ضرورة التحرك من أجل إعادة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها قبل أزمة السوخوي والتنسيق في مجال محاربة الإرهاب.
بعبارة أخرى يمكن القول بأن أمريكا تمكنت من إقناع أردوغان بالإعتذار من بوتين مقابل قيام الأخير بإقناع الأسد بالقبول بالمعارضة السورية "المعتدلة" وفسح المجال أمامها بتشكيل حكومة مؤقتة برئاسة أبو حطب في المناطق التي تقع خارج سيطرة القوات السورية على أن يتم ذلك بالتنسيق مع حكومة الأسد، بهدف التضييق على التنظيمات المسلحة غير المشمولة بالهدنة لاسيّما "جبهة النصرة" والجماعات المتطرفة التابعة لتنظيم القاعدة المرتبطة بما يسمى "جيش الفتح".
وتهدف هذه الإجراءات في الحقيقة إلى إبعاد "جبهة النصرة" عن إدلب وقطع خطوط إمدادها اللوجستية مع تركيا وإتاحة الفرصة لحكومة أبو حطب كي تتمكن من إستيعاب أكبر قدر ممكن من باقي أطراف المعارضة السورية والتي يمكن التفاوض معها بشأن التوصل إلى تسوية شاملة للأزمة السورية في أيّ مفاوضات سياسية قادمة.
وفي حال تمكنت حكومة أبو حطب من تثبيت أقدامها في المناطق التي تقع خارج سيطرة القوات السورية، فسيعني ذلك وجود حكومتين أحدهما في شمال غرب البلاد، والأخرى في دمشق، وهذا الأمر سيؤثر بشكل مباشر على طبيعة أيّ مفاوضات سياسية لحل الأزمة السورية من جانب، وشكل الوفد الذي سيمثل المعارضة في هذه المفاوضات.
ومن غير المستبعد أن تسعى حكومة أبو حطب لكسب إعتراف رسمي دولي لاسيّما من الدول الغربية برعاية أمريكا، وهذا أيضاً من شأنه أن يضعف موقف حكومة الرئيس السوري بشار الأسد خلال المفاوضات، وهو ما تسعى اليه واشنطن على وجه التحديد، لفرضه كأمر واقع خلال المفاوضات و هو مخطط خطير إذا ما كتب له النجاح.
-------------------------------------------------------------------------------------
* شمل الإتفاق الأميركي - الروسي بشأن الهدنة في سوريا في فبراير/شباط 2016 مناطق محددة وإستثنى أخرى يسيطر على أراضيها تنظيم "داعش" الإرهابي أو "جبهة النصرة" أو من يواليهما، علماً بأنه يصعب تحديد تلك المناطق على الميدان في ظل إنتشار متداخل للقوات المختلفة فيها.