الوقت- انتقل العاهل السعودي السابق عبدالله بن عبدالعزيز من عالم الدنيا الى عالم الاخرة، وانتقل معه الحكم الى سلمان بن عبدالعزيز. ولم تكد تمر ايام قليلة على توليه الحكم و مبايعته من قبل السعوديين حتى بدات التغييرات تحيط بالمملكة. فقد اصدر الملك الجديد منذ توليه الحكم 30 امرا ملكيا عزل بموجبها الكثيرين من بقايا الحكم القديم، فطالت التغييرات امارات تربع على عرشها منذ سنوات ابناء الملك الراحل لتنتقل مع وفاته وبموجب الامر الملكي الى ابناء فيصل و سعود وبندر.
التغييرات الملكية طالت ايضا مراكز عدة في الدولة من شانها ان تغير سياسة السعودية وتحرفها عن مسير الملك الراحل. فقد شملت الاوامر الملكية إعفاء خالد بن بندر بن عبد العزيز رئيس الاستخبارات العامة من منصبه، وتعيين خالد بن علي بن عبدالله الحميدان رئيسا للاستخبارات العامة، اضافة الى تعيين خالد بن فيصل بن عبدالعزيز مستشارا للملك وأميرا لمنطقة مكة وفيصل بن بندر أميرا لمنطقة الرياض و فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز أميرا لمنطقة القصيم.
وشملت الاوامر الملكية امرا بتشكيل مجلس للشؤون السياسية والأمنية برئاسة ولي ولي العهد محمد بن نايف. وتضمنت الاوامر إعادة تشكيل مجلس الوزراء وأبقت على وزير النفط علي النعيمي ووزير المالية ابراهيم العساف ووزير الخارجية سعود الفيصل، وظل ايضا وزراء الاقتصاد والعمل والإسكان في مواقعهم. التغييرات التي طالت المملكة بقيت بعيدة عن وزير الخارجية فهل تغير الاوامر الملكية الجديدة النظرة السعودية للثورة البحرينية؟
لا تخفى السياسة السعودية تجاه البحرين على احد، فمنذ انطلاقتها عام 2011 اعتبر السعوديون الثورة البحرينية انقلاب سياسيا يحاول تخريب المملكة البحرينية، ورغم تصاعد التحركات الشعبية البحرينية المعارضة على شكل اضرابات ووقفات احتجاجات ومظاهرات، إلا أن العنف واستخدام الرصاص، والإعتقالات، والمحاكمات الجائرة استمرت بدعم سعودي و تدخلات واضحة.
ولم يبق الدعم السعودي للحكومة الخليفية دعما بالمواقف فحسب بل عبره الى دعم عسكري تواجد على الاراضي البحرينية لقمع المظاهرات الشعبية المطالبة بالاصلاحات. وتبقى حقيقة لا تغيب عن بال الباحثين والمراقبين، وهي أن العائلة المالكة في البحرين قد فقدت الكثير من قرارها المستقل لصالح الدول التي وقفت معها وقدمت لها تغطية سياسية واعلامية وامنية وعسكرية ومالية، وفي مقدمة تلك الدول السعودية التي لا يمكن ان تغير سياستها ضد الثورة البحرينية لاسباب عديدة.
اولا: لا شك ان التدخل السعودي يريح من جهة العائلة المالكة في البحرين، ويخفف من جهة اخرى الضغط عنها من قبل المعارضين. ولكن في حال تغيّر سلوك دولة كالسعودية بشأن المعارضة المحلية لديها واعتمدت الإصلاحات السياسية التي تتناغم مع التطلعات الشعبية، وهو أمر مستبعد، فإن من المتوقع أن ينعكس ذلك سريعا، على شكل ضغوط شعبية وسياسية، على نظام الحكم في البحرين.
ثانيا:الواضح من السياسات الخارجية السعودية أن الرياض سعت أن تستعيد مكانتها الخليجية، التي تضررت خلال الفترة الاخيرة كثيرا بعد التقدم الايراني، لتقدم نفسها كحامية للأنظمة الخليجية الصغيرة التي شعرت فيما مضى بأن التهديد الأكبر يأتيها، وبناء على ذلك أوجدت لها وسائل حماية من الدولة الكبرى الايرانية باستضافة المزيد من القواعد الأميركية والغربية على أراضيها، كما هو الحال بالنسبة لقطر والإمارات والكويت وغيرها.
ثالثا: سعت السعودية من خلال الملف البحريني، للتأكيد على أن العدو المشترك الذي يهدد دول المجلس جميعا ليس أطماعها وإنما الجمهورية الاسلامية الإيرانية التي تسعى للتمدد السياسي في مناطق الشرق الاوسط والخليخ الفارسي من خلال دعم الثورات و حركات المقاومة، و هذا ما ابرزه طرح الملك الراحل عبدالله في كلمة له حين طالب دول التعاون بتجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد في كيان واحد.
رابعا: أكد الملك السعودي الجديد سلمان بن عبدالعزيز أن لا تبدلات في السياسة الخارجية لبلاده، موجها الحكومة الجديدة بأن تكون سياستها الخارجية "نهج متواصل ومستمر". ونقل وزير الثقافة والإعلام عادل الطريفي عن الملك السعودي قوله، في أول اجتماع لمجلس الوزراء يحضره الملك بعد توليه مقاليد السلطة، أن بلاده لن تحيد عن " السير في النهج الذي سنه جلالة الملك المؤسس عبد العزيز. وسار عليه من بعده أبناؤه الملوك".
السياسة السعودية اذا نهج متواصل و ثقافة مستمرة، لا تتبدل مع تبدل الملوك، و لا تتغير مع تساقط التيجان عن رؤوس البعض لتمتطي رؤوس اخرين، ولا شك ان المتضرر الوحيد من هذه التبدلات هو شعب لا يسمح له سوى التلبية و المبايعة و التصفيق، ليبقى بعيدا عن المطالبة باقل ما يحق له من الامن والحريات و الاصلاحات. وبذلك يتساوى عبدالعزيز وعبدالله وسلمان فالاسماء كثر و السياسة واحدة.