الوقت- ستجري الإنتخابات في أمريكا، لكن ليس ككل مرة. فالسياسة الخارجية دخلت بازار التحدي الإنتخابي. في حين تعيش أمريكا أمام واقعٍ معقدٍ، مليئٍ بالتحديات. مع الفشل الذريع في العديد من الملفات، وصعود التطرف. كلها عوامل، تعتبر تحدياً كبيراً، لمن سيحظى بالرئاسة الأمريكية. فكيف يمكن تأكيد ذلك، عبر الإطلالة على الواقع في المنطقة والعالم؟
الدول المركزية في المنطقة وواقعها المتأزم
في العراق، تندفع الإدارة الأميركية لتثبيت واقعٍ جديد يتماشى مع مصالحَها. في حين يعيش العراق أزماتٍ متتالية، هي نتيجة للسياسة الأمريكية منذ الإحتلال الأمريكي. وهنا فإن قلة الخبرة السياسية لدى الأطراف العراقية كافة، يجعل الأمريكيين يستغلون ذلك، في إقحام العراق في مشاكل داخلية، تتعقد مع الأيام. فيما تبقى مسألة محاربة الإرهاب، هدفاً يجمع العراقيين، في ظل محاولاتٍ أمريكية، لإستثمار الأخطاء السياسية الداخلية، وتأجيجها، وإظهار الصراع وكأنه صراعٌ مذهبي. وهو الأمر القديم الجديد في السياسة الأمريكية. لذلك ترعى واشنطن وتدفع نحو خيارَ الفدرالية، خصوصاً أنّ مرحلة ما بعد استعادة الموصل ستعيد فتح باب النقاش حول مستقبل العراق. وهو ما يُعتبر تحدياً منتظراً للعراقيين.
في سوريا، تشير المعلومات الصحفية، أنّ إدارة الرئيس الأمريكي، تفاهمت مع موسكو على الخطوط العريضة للتسوية. فبحسب بعض المصادر، تتضمّن التسوية استمرار الرئيس السوري بشّار الأسد خلال المرحلة المقبلة. على أن يجريَ تعيين أربعة نواب له، يتم اختارهم من الفريق غير المحسوب عليه، ولكنّهم في الوقت نفسه مقربين منه، كفاروق الشرع مثلاً.
وهنا فإن البعض تحدث عن أن هذه التسوية أصبحت الشرط الأساسي لإستكمال معارك القضاء على الإرهاب. وهو ما تدفع له واشنطن. فيما قد تجد فيه روسيا مصلحة لها. مع الإشارة الى أن الواضح وبعيداً عن رأي كلٍ من موسكو وواشنطن، أن النظام السوري وحليفه الإيراني، متفقين على أن خيار القضاء على الإرهاب هو المدخل لأي مستقبلٍ يُرسم لسوريا. ومن غير المقبول جعل مسألة الحرب على الإرهاب مادةً للإبتزاز الميداني. مما يُفسِّر النبرة القوية التي خرجت عن اللقاء الثلاثي لوزراء الدفاع في طهران، والتي تحدث بها وزير الدفاع الإيراني.
الإنتخابات الأمريكية، وتحدي الفشل في السياسة الخارجية
إذن، قد تكون الإنتخابات الأمريكية الحالية، واحدة من الإنتخابات التي يُعتبر فيها العامل الخارجي مُؤثراً في صناديق الإقتراع. وهو الأمر الذي يجعل إدارة الرئيس الأمريكي أوباما، تُسرع في إنجاز الكثير من الأهداف، وإن كانت تقوم بذلك عبر مقايضةٍ براغماتية تتطلَّب القضاء على تنظيم داعش في العراق وسوريا، لكن بعد التأكد من أن المصالح السياسية مضمونة. الأمر الذي يدفع الطرف الأمريكي، بمحاولة فرض خياراتٍ سياسية مستقبلية، كشرطٍ لتقويض الإرهاب في الشرق الأوسط. وهو ما ترفضه روسيا لتضارب المصالح بينها وبين واشنطن ليس أكثر. وهنا فإن الناخب الأمريكي، والمعروف أنه كان بعيداً عن الأجواء السياسية التفصيلية، أصبح اليوم في صلب الحدث السياسي المُختص بالإرهاب. لسببٍ يبدو بأن خطر الإرهاب الذي ضرب قلب أوروبا وأمريكا، أصبح محطّ اهتمام الإعلام العالمي، مما نقله ليكون هاجساً لدى الأمريكيين.
ولعل كثيراً من التحليلات خرجت لتتحدث عن السبب الذي يدفع واشنطن للتوجه نحو قتال التنظيم الذي ساهمت في تأسيسه. والعامل الأساسي لذلك، هو أنّ الحركات المتطرفة التي اجتاحت مجتمعات الشرق الأوسط، دفعَت بالخيارات المتطرفة الى الواجهة، وجعلت معسكر الإعتدال يتراجع وينحسر. ما يَرفع نسبة المخاطر والمفاجآت غير المحسوبة. وهو ما يُعتبر نتيجةً للغوغائية الأمريكية، التي تدعي حسن التخطيط وصحة الإستراتيجيا. في حين تُثبت التجربة، أن براغماتية أمريكا السياسية، وخياراتها العسكرية، لم تعد بحكم الممكن إدارة نتائجها، الأمر الذي ينعكس اليوم وبشكلٍ مباشر على خيارات ونظرة الشارع الأمريكي.
كما أن العديد من الأمثلة، يمكن أن تكون خير دليلٍ على حجم الفشل الأمريكي، وإن كان على صعيد الرهان على الأدوات، أو ما يُقال له الحلفاء للسياسة الأمريكية. وهو ما يمكن سرده بالتالي:
- في تركيا، حيث التفجيرات شبه اليومية أصبحت سمة الدولة الطامحة، أظهرت التشكيلة الحكومية الجديدة، تشدداً في العقلية السياسية التركية. عبر إقصاءَ العلويّين ووصولَ أغلبية وزارية محسوبة على الرئيس "رجب طيب اردوغان"، تتحدر من المدرسة الدينية المنادية بالأسلمة على الطريقة الأردوغانية. في حين تغلبُ على الحكومة النزعة الإقليمية الجامحة نحو التمدُّد.
- فيما يخص الدول الخليجية، الحليف المعهود لأمريكا، وأداته ضد العالم العربي والإسلامي، تبدو الأمور واضحة مع استمرار تدفّق العناصر التكفيرية، للإنضمام إلى التنظيمات المتطرفة التي تقاتل في سوريا. وبعض هؤلاء المنضمين للإرهاب، خدمَ في السلك العسكري في بلاده سابقاً، مما يجعل المستقبل قلقاً، فيما يتعلق بالإستقرار الداخلي لهذه الدول.
- في الكيان الإسرائيلي خرج المتشددون مستغلين ظروف المنطقة، وهو ما ظهر من خلال تعزيز السلوك المتطرّف للحكومة، عبر تعيين "افيغدور ليبرمان" وزيراً للدفاع. في مقابل تقاتل الأحزاب الوسطية فيما بينها. مما أضعف الآمالَ الغربية بحصول أي تجاوب إسرائيلي بخصوص ملف التسوية مع الفلسطينيين. وهو الأمر الذي يعتبره الكثيرون مخططاً له.
مساعي أوباما و دعمه لكلينتون
تسعى الإدارة الأميركية الحالية، إلى انتصار خارجي يُعطيها أرضية قادرة على استثمارها لصالح الحزب الديموقراطي في الإنتخابات الرئاسية. وهو ما يجعل المتحمسين لإقصاء الخصم "ترامب"، يشيرون إلى أنّ سياسة "كلينتون" الخارجية ستكون أقربَ إلى "جورج بوش" الأب ومتوافقةً مع عقيدة "أوباما" التي أفصَح عنها أخيراً. كما أنها ستستفيد من الخبرة الطويلة لكلينتون في وزارة الخارجية، الأمر الذي يُعطي الدبلوماسية دوراً كبيراً في السياسة الخارجية الأمريكية، في حال وصلت للرئاسة.
ولعل الكثير من الأمور الحالية قد تطرح تساؤلاتٍ للمستقبل. فمن المعروف أن "كلينتون" اختلفت تاريخياً مع "افيغدور ليبرمان" وعارضَت سياسته عندما كانت على رأس الديبلوماسية الأميركية. وبالتحديد حول ملف الإستيطان. كما أنها تضع ملف التسوية الاسرائيلية الفلسطينية كعنوانٍ أبرز لسياستها في الشرق الاوسط. كانت "كلينتون" تطالب علناً بتجميد الاستيطان لأنّه يقضي على آمال التسوية السلمية. ولعلها ستستفيد أيضاً من فريق العمل الذي واكبَ مرحلة زوجِها "بيل كلينتون" عندما كان في البيت الأبيض.
قد تكون نتائج الإنتخابات الأمريكية، أمراً غير مهمٍ أمام السياسة المستقبلية لواشنطن التي تعتبر أمراً أهم. لكن الواضح أن الإنتخابات الأمريكية هي أمام تحدي مستقبلي يتمثل بالواقعٍ العالميٍ المعقَّد الذي يشوبه الفشل في السياسة وصعود التطرف.