الوقت- شاهد العالم حملة الجيش العربي السوري و حلفائه في شمال سوريا تسير بسرعة كبيرة تحت غطاء جوي عسكري و آخر معنوي من روسيا، و بدأ الحديث عن استكمال السير نحو الرقة و تحريرها بعد القضاء على داعش في تدمر، و لكن العامل الخارجي أحدث تغييرات كبيرة في سير العمليات العسكرية في سوريا فتوقف الزحف نحو الرقة بعد معادلة حلب التي حُركت من الخارج بأيدٍ إرهابية و ما رافقها من حملة اعلامية ضخمة، و اليوم و بالتزامن مع العملية العسكرية العراقية لتحرير الفلوجة عاد الحديث عن تحرير الرّقة، و لكن ليس من قبل الجيش السوري إنما من الأكراد و بدعم أمريكي، فما الذي جعل الرّقة أولوية أمريكية؟ و لما في هذا التوقيت بالذات؟ و لما لم يترك الجيش السوري يفعل هذا مسبقاً و هو كان قاب قوسين من هذا الإنجاز؟
في الأسباب والدلالات:
أسباب عديدة تدفع الأمريكي للعودة الى الحديث عن تحرير الرّقة معقل داعش الأساسي في سوريا، لا بل إلى إشراك قواته العسكرية مباشرة في هذه المعركة كما ذكرت تقارير عدة، من أهم هذه الأسباب و الدلالات الخفية بين طيتها نذكرها لكم كالآتي:
قطف ثمار النصر في معركة مواجهة الإرهاب
لا يمكن للأمريكي أن يقف على الحياد و لا يتدخل عندما تقوم قوى جادة و قوية بمساعٍ جدّية و مسهمة في مجال معين على أرض الواقع و تحدث فرقاً قد يكون له انعكاسات كبيرة لاحقاً على الصعيد الدولي من رأي عام و إعلام و غيره، وكذلك الأمر بالنسبة لمعركة المواجهة مع الإرهاب التي طالما اتخذتها أمريكاً كشعار لتدخلاتها في دول العالم، فكيف يكون من يحصد سمعة دحر الإرهاب ليس أمريكا! و هي تحمل لواء التحالف في وجه الإرهاب في سوريا و العراق، و الذي لم ينجز شيئاً جدياً منذ تشكيله، ما سيضع أمريكا في موقف حرج جداً أمام العالم في حال حققت انجازات هزيمة الإرهاب على أيدٍ غير أمريكية، و هنا يقبع الدافع نحو التحرك في هذا الوقت بالذات لتحقيق تحرك معين للمشاركة في الإنجاز بأقل تقدير.
قطع الطريق على أي إنجاز روسي-سوري في الساحة السورية
منذ مدة قام الجيش السوري و بدعم حلفائه و خاصة الروسي بهجوم كبير في الشمال السوري و على اثره استطاع استرجاع مناطق شاسعة في الشمال و حرر تدمر و غيرها من المناطق و بدأت الأنباء عن نية لاستكمال التقدم نحو الرّقة معقل داعش الأساسي في سوريا، و هذا أمر لم يرق لعدة دول و منها امريكا التي استنكرت في تصاريح عدة العمليات ووصفتها بأمور عدة، يومها تحركت جبهة حلب و أدير الإهتمام العالمي كله عليها ما قوّض التقدم السوري نحو الرّقة، و اليوم و بعد ان خفت المشهد الحلبي و قبل ان تستيقظ نية السوري و الروسي بالهجوم نحو الرّقة مجدداً استقدم الأمريكي قواتاً و دعم بها الأكراد ليضع اليد على الرّقة و يقطع الطريق على الروس و السوريين بتحقيق انجاز كبير كهذا.
تثبيت العنصر الكردي و دعم فكرة الفدرالية
سبب أخر يدفع الأمريكي للدفع نحو تحرير الرقة هو تقوية العنصر الكردي في الشمال و الذي يمثل ورقة الضغط الأمريكية لاحقاً في أي حل سيشمل سوريا، باعتبار الأكراد لهم علاقات قوية مع الأمريكين الذين ساعدوا بشكل أساسي و كبير في تشكيل ما بات يعرف باقليم كردستان العراق و الحكم الذاتي فيه و هو ما يطمح إليه أكراد سوريا و ما أعلنوا عنه منذ مدة قصيرة، إذ أن العنصر الكردي هو من سيحل مكان داعش لو استطاع تحرير الرقة، و سيوسع منطقة نفوذه في الشمال السوري، و هو أمر ضروري لإحكام فكرة الفدرالية.
حصد أصوات انتخابية في المعركة الرئاسية الأمريكية
الأحزاب الأمريكية تلعب اللعبة السياسية بطريقة استراتيجية تخطط فيها للمستقبل بشكل دقيق و مستمر، لذا لا يمكن للديمقراطيين أن يتركوا السلطة دون تحقيق انجازات جدّية لهم في ساحة محاربة الإرهاب يحصدونها لاحقاً أصواتاً انتخابية، اذا أن أمريكا على باب انتخابات رئاسية هذا العام، و أي ورقة تلعب محلياً و عالمياً لها مردّها الإنتخابي لاحقاً، و انجاز كبير كتحرير الرقة سيكون خير داعم في هذه المعركة الإنتخابية.
تعديل كفّة موازين القوى، و استثمارها على طاولة المفاوضات لاحقاً
ظهرت القوى السياسية التي تشكل وفد ما يسمى بالمعارضة السورية في العملية التفاوضية في جينيف و غيرها من طاولات المفاوضات هشة و ضعيفة و دون أي نفوذ يذكر، خاصة ان الهدنة عرّت هذه القوى و بيّنت قدرتها الضئيلة على السيطرة أو حتى المونة على الفصائل في ساحة المعركة السورية، و في المقلب الآخر ظهرت الحكومة السورية متماسكة قوية و صاحبة قرار على أرض المعركة و في المفاوضات، لذا كان لا بد من الأمريكيين أن يقدموا على بسط سلطتهم على مساحات معينة و وضعها في تصرف هذه القوى لكي تتمكن لاحقاً من اظهار شيء من السلطة و التماسك على طاولة المفاوضات فتتمكن من ادارة النار و لو على مساحات قليلة و محددة.
فهل تتمكن أمريكا فعلاً من تطهير الرّقة بدعمها للأكراد؟ أم أنها دعاية إعلامية فيها مآرب أخرى؟ و هل ستسطيع استثمار هذا الإنجاز لو تحقق في آماكن أخرى؟ و ما هو رأي الدولة السورية و الروس في هذه العملية لو بدأت بشكل جدّي و بتواجد أمريكي مباشر على الأراضي السورية؟ أسئلة كثيرة تبقى رهينة الوقت و بانتظار اجاباتها التي ستعرف مع بدء العمليات في الرّقة أو عدمها.