الوقت- ثمة سؤال یفرض نفسه منذ فترة طویلة، ألا وهو لماذا تدعم تركيا ورجب طيب أردوغان تنظیم داعش، ولیست جاهزة لقطع التعاون معه؟ حتی بعد سقوط الموصل كان واضحاً جداً أن تركيا لها تعاون وثيق مع هذا التنظیم الإرهابي، ولم یکن سيناريو الدبلوماسيین الأتراك الرهائن في قنصلية هذا البلد في الموصل، سوی تمثيلاً مسرحياً، وکانت هذه القنصلية غرفة عملیات داعش. وحتی بعد تشکیل التحالف الدولي الأمیرکي ضد داعش لم تتعاون ترکیا معه، وأعلنت أنها لن تتعاون مع هذا التحالف إلا إذا أدرج موضوع إسقاط نظام بشار الأسد من ضمن أهدافه .
فلماذا تری ترکیا نفسها قریبة إلی داعش إلی هذا الحد، وتربط جزءاً کبیراً من سیاساتها في المنطقة بهذا التنظیم؟
المصادر المطلعة تقول إن السبب الرئيسي لذلك هو الحضور القوي للإخوانیین في داعش. وبعبارة أخرى إن لداعش خلفیة إخوانیة وهذا الأمر جعل ترکیا تلتزم برعایة هذا التنظیم .
کان أبو بكر البغدادي في الثمانينات والتسعينات من الأعضاء البارزين في حزب البعث العراقي، ولکنه انضم لاحقاً إلی جماعة الإخوان المسلمین. وبعد عامين من سقوط صدام حسين في العراق في عام 2003 انتقل إلی السلفيين، وأصبح من الشخصيات السلفية المتشددة في العراق، وانضم إلی كتلة معارضي سقوط النظام البعثي .
وبعد ذلك تم سجنه لمدة عامين في سجن بوکا تحت عین الأميركيين، ثم أعلن الأميركيون أنهم لا یملکون أي دليل ضده ولا یستطیعون إبقاءه في السجن، ولهذا السبب صدر الأمر بالإفراج عنه .
ثم اختفى بعد ذلك لمدة عامين، وادعی الأميركيون أنه لم تکن لدیهم معلومات عنه خلال تلك الفترة. وتقول مصادر أمنية أنه ذهب خلال هذه المدة إلی الکیان الإسرائیلي وتلقی هناك التدريبات الأمنیة، ثم تبیّن لاحقاً بأنه قد انضم إلی تنظیم القاعدة في العراق .
وفي البدایة عمل تحت قیادة أبي مصعب الزرقاوي، ولکن انتقل بعد موته إلی أبي حمزة المهاجر الذي کان مصریاً وأصبح خلیفة للزرقاوي. وبعد مقتل أبي حمزة المهاجر في عام 2010، تولى أبو عمر البغدادي قیادة القاعدة، ولکن قتل هو أیضاً بعد فترة وجیزة، وفي هذه المرحلة بدأت الخلافات في تنظيم القاعدة في العراق .
السجل البعثي لأبي بکر البغدادي ساعده علی اجتذاب الكثير من البعثيين الهاربین منذ حکم صدام إلی نفسه، وبعد صعود نجم الإخوانیین في مصر وبدء المرحلة الإخوانیة في الشرط الأوسط، بدأ الإخوان المسلمون في العراق نشاطهم أیضاً .
هذا السجل الإخواني قد مکّن أبي بکر البغدادي من الحصول علی دعم قسم من الإخوانیین أیضاً، ومن هنا بدأ تاریخ تشکیل داعش. ینقل أبو بكر البغدادي أنشطته من العراق إلى سوريا، وتعظم قدرته بواسطة دعم البلدان العربية التي کانت تفکر بشکل أعمی بإسقاط بشار الأسد فحسب .
وخلال الفترة التي أمضاها داعش في سوريا، تمکن من الغلبة علی بقیة الجماعات شبه العسكرية المناهضة للأسد، وبالتزامن مع ذلك استطاع الاتصال بترکیا بسبب وجود العلاقة الإخوانیة واکتساب دعمها بشکل سریع. وفي الهجوم علی الموصل، کانت ترکیا علی علم کامل بالعملیات، ویقال حتی إن ترکیا قد ساعدت الدواعش بشکل مباشر .
وبعد سقوط الموصل وانکشاف الدعم الترکي الواسع لداعش، بدأ التشاؤم وسوء الظن حیال داعش یدب في الدول العربیة المطلة علی الخلیج الفارسي، والتي کانت علی عداء قدیم مع الإخوان المسلمین. حتی أن السعودية قد اعتبرت هذا التنظیم تهدیداً خطیراً علی أمنها، ولهذا السبب یقال إن السعودية لیست لدیها أي علاقة بداعش في الوقت الحالي .
ويقول بعض المسؤولين في الإخوان المسلمین إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لیس إخوانیاً ولکنه إسلامي، وحزب العدالة والتنمية ورجب طيب أردوغان نفسه یتأثران بشكل كبير بجماعة الإخوان المسلمین، وللإخوان المسلمین تواجد فعال ومباشر في جهاز الحکم وفي جمیع المؤسسات الاقتصادية والسياسية والأمنية لهذا البلد. وهكذا يمكن أن نفهم لماذا تدعم ترکیا تنظیم داعش .
ويعتقد العديد من الخبراء أن تركيا بهذه الطریقة تحاول تحویل داعش إلی الجناح العسكري لجماعة الإخوان المسلمین، واستخدامه لفتح جبهات أخرى وخاصة في سوريا. ومن الواضح للجميع أن هدف تركيا النهائي في سوريا، هو إیصال جماعة الإخوان المسلمين إلی الحکم في هذا البلد. لذا يمكننا القول إنه مع وجود هذه المعادلة المعقدة، فإن عملیات محاربة داعش في جميع أنحاء المنطقة ستستغرق وقتاً طویلاً .