الوقت- بعد عجز الحكومة القرغيزية في منع إرسال الشبان إلى سوريا، عقد الأسبوع الماضي اجتماع "السياسة العامة للحكومة القرغيزية في الشؤون الدينية في سنوات 2020-2014" بحضور عدد من المسؤولين الأمنيين وأصحاب الرأي في الشأن الديني من دائرة المفتین والمراكز السياسية - الدينية التحليلیة والسلطات التنفيذية الحكومیة في مدينة "أوش ".
وفي هذا الاجتماع حذّر ممثل لجنة الأمن القومي القيرغيزي من أن "السيطرة على المتطرفين أمر صعب، وقوات الأمن القرغيزية ليست قادرة على السيطرة على الشباب للذهاب إلى سوريا"، وعلی هذا الأساس تم اعتبار خطر داعش علی البلاد تهديداً حقيقياً، وقد استعرضت معضلات المجتمع في مواجهة هذا الأمر .
من حيث الجغرافيا السياسية کانت آسيا الوسطى وخاصة قيرغيزستان دوماً، ملجأ الجماعات الأصولية ونمو وتربیة ودعم وتطویر هذه الأفکار. ومن هنا أثار داعش من خلال معرفته بوجود حالة عدم الاستقرار هذه، ادعاء توسیع دائرة خلافته نحو آسيا الوسطى. وفي الحقیقة داعش من خلال ادعاء تشکیل الخلافة جنباً إلى جنب غيرها من الأنشطة الترويجية والعقائدية، قد وفر الأرضیة لتعبئة وإرسال الشبان من مختلف أنحاء العالم إلی ما یسمی بالنقاط الساخنة في سوریا والعراق. وعبر الرسائل الأيديولوجية التي یرسلها إلی مخاطبیه في مجال المعايير السلفية-الجهادية، یقوم بخداعم بشعار الجهاد من أجل إقامة الدولة الإسلامیة والعدالة الاجتماعیة، وکان ناجحاً في هذا الحقل إلی حد کبیر. ولهذا السبب يخشى المسؤولون في قرغيزستان أن تتحول بلادهم إلی مکان لعبور المواد النووية وأسلحة الدمار الشامل لتنظیم داعش .
وإلى جانب الفقر الإيديولوجي لسکان المنطقة، والخلاف الشدید بين الحكومة والتعاليم الدينية، وحضور عدد كبير من مواطني الدول الأخرى من المنطقة في الاشتباكات الدائرة في العراق وسوريا ، فیمکن اعتبار الفقر المادي وأزمة شحة الإمکانات في المجتمع القرغيزي، من أهم الأسباب لانجذاب الشباب القرغیزي نحو داعش .
وعلى الرغم من أن قيرغيزستان لديها موارد معدنية غنية جداً، ولکن یعیش أكثر من ربع سكانها تحت خط الفقر ولا یتمتعون بالأمن الغذائي الكافي أیضاً. وهذه القضیة إلی جانب عدم فهم النخبة الحاکمة لضرورة تقدیم الحكومة الخدمات للناس، والخوف من تهديد الاستقلال السياسي والحد من السيادة الوطنیة في حال الانفتاح الاقتصادي، ورغبة بعض حكام المنطقة في التفوق على الآخرين، وعدم وجود القطاع الخاص القوي والاقتصاد التنافسي، والافتقار إلی الإدارة السليمة للقضايا الإقليمية وحضور الجهات الفاعلة عبر الإقليمية، جعلت مسألة وجود وتأثیر الفقر أشد صعوبة یوماً بعد یوم .
ووفقاً لتقديرات الحكومة، فقد انضم حوالي 175 من الشباب القرغيزي إلی تنظیم داعش الإرهابي في سوریا، ومعظم هؤلاء قد وقعوا في فخ دعایات داعش بعد خيبة أملهم في الحصول على الظروف المالية المناسبة في روسیا .
وینقل موقع "دویجه وله" عن "لوکارالکوف" وهو ضابط أمن قرغیزي قوله: إن الشبان في بلدان آسيا الوسطى وبضغط شدید من الفقر والبطالة ، یسافرون إلی روسیا على أمل العثور على المال، ولکن عندما تذهب آمالهم أدراج الریاح نظراً للظروف الإقليمية الخاصة التي لا تؤشر علی آفاق مشرقة، فینجذبون إلی التيارات السلفية المتطرفة مع الحد الأدنى من الدعایة .
ویضیف: لتوظيف الشباب لا حاجة لاختراق عمق الأراضي الروسية، لأن في موسكو وسانت بطرسبورغ وغيرهما من المدن الروسية الكبرى حیث یوجد الکثیر من العمال المهاجرين، يتم هذا العمل بسهولة. وفي الواقع إن هدف هؤلاء الشباب هو جمع المال، وعندما یقترح علیهم الدعاة المتشددون راتباً شهرياً یصل إلى 5 آلاف دولار مع تكلفة السفر والإقامة في سوريا، فمن الطبیعي أنهم لا یسمعون کلمة "لا " .
إذن نظراً لارتفاع معدل البطالة والفقر في هذه البلدان فیجب القول إن داعش یشکل خطراً جاداً علی بلدان آسيا الوسطى وخاصة قيرغيزستان، الأمر الذي يجعل قبول هذا الفكر أمراً ممکناً بالتدریج.