الوقت- تعيش العلاقات بين الإتحاد الأوروبي والدولة التركية حالة من المد والجزر بسبب مشكلة اللاجئين السوريين، فقد شهدت الأيام الأخيرة سجالات حادة بين الطرفين. فالإتحاد الأوروبي المتضرر الأكبر من الهجرة غير الشرعية للاجئين السوريين، يسعى بكل قواه لحل هذه المشكلة بأقل خسائر ممكنة. أما الدولة التركية تسعى إلى إستغلال هذه المشكلة لتحقيق أهدافها عبر الضغط على الإتحاد بإلغاء تأشيرة الدخول للمواطنين الأتراك كهدف قريب، وإنضمامها إلى الإتحاد الأوروبي على المدى البعيد. والسوال الذي يطرح نفسه ما هو مستقبل هذه العلاقات؟ وهل ستصبح تركيا عضواً في الإتحاد الأوروبي في السنوات القادمة؟
في هذا المقال نستعرض مواقف كلا الطرفين ونقوم بتحليل بسيط للصراع القائم ومستقبله.
موقف الأتحاد الأوروبي
يدرك الإتحاد الأوروبي الدور الكبير للدولة التركية في الحد من مشكلة اللاجئين السوريين الفارين من تحت النيران إليه، لذلك قام بإجراء محادثات مكثفة مع أنقرة توصل الطرفان في نهايتها إلى إتفاق بروكسل للحد من تدفق المهاجرين إلى أوروبا. ينص الإتفاق على أن يعيد الإتحاد إطلاق مفاوضات إنضمام تركيا إلى عضويته بينما تلتزم هذه الأخيرة بضبط حدودها.
وفي آذار الماضي وقع الطرفان إتفاقاً آخر وصفته الصحافة العالمية بالمثير للجدل؛ الذي يمنح بموجبه الأوروبيون ستة مليارات يورو لتركيا مع إلغاء تأشيرات الدخول للمواطنين الأتراك بحلول آواخر شهر حزيران المقبل لقاء مساعدة تركيا في الحد من تدفق اللاجئين السوريين.
وفي تقرير نشرته صحيفة بروكسل البلجيكية نهار الجمعة الماضي، قالت مسؤولة في الإتحاد الأوروبي إن تركيا لم تفي سوى بأقل من نصف الشروط اللازمة لمنح مواطنيها حرية دخول دول الإتحاد الأوروبي دون تأشيرة دخول وذلك قبل عشرة أيام من الموعد المحدد لإلتزامها بجميع الشروط.
وفي وقت سابق كان الإتحاد الأوروبي قد أعرب عن "قلقه الشديد" إزاء "تراجع دولة القانون في تركيا" بحد قوله، معتبراً أن "أنقرة" تبتعد عن تحقيق المعايير التي يتعين عليها إحترامها إذا أرادت الإنضمام إلى عضويته. وفي "استراسبورغ" صدر قرار غير ملزم بتأييد 375 صوتاً مقابل 133، ندد النواب الأوروبيون ب"القمع الملاحظ في بعض المجالات الأساسية مثل إستقلالية القضاء وإحترام حرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان ودولة القانون".
وكان الإتحاد الأوروبي وعد الشهر الماضي بمد الإعفاء من تأشيرات الدخول ليشمل تركيا بحلول نهاية شهر حزيران القادم، مقابل موافقتها على إستعادة جميع المهاجرين غير الشرعيين الذين يبحرون من شواطئها إلى اليونان بشرط أن تفي بجميع المعايير.
أما ألمانيا المستفيد الأكبر في الإتحاد من المهاجرين السوريين، لتخفيف الصراع بين الإتحاد وتركيا ومتابعة تنفيذ الإتفاق فقد أرسلت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" رافقها وفد كبير من الإتحاد الأوروبي شمل رئيس المجلس الأوروبي ونائب رئيس المفوضية السبت الماضي لزيارة مخيم اللاجئين في جنوب تركيا.
الموقف التركي
أما الدولة التركية المتمسكة بورقة اللاجئين تريد من خلالها حل مشاكلها وتحقق أهدافها، وهذا ما صرّح به رئيس الوزراء التركي في الإتحاد قائلا: "أنه سيتم فتح الفصل الـ17 ضمن فصول مفاوضات إنضمام بلاده للإتحاد الأوروبي في 14 كانون الأول المقبل، مضيفًا أن بعض الفصول الأخرى ستكون على الطريق، وفي نفس الوقت سيتم الانتهاء من إلغاء تأشيرات الدخول وعملية إعادة القبول العام المقبل، معتبراً أن القرارات التي اتخذت خطوات هامة جدًا من ناحية فتح فصول جديدة، وتحديث الاتحاد الجمركي، وتعميق علاقاتنا الاقتصادية، وتعاوننا ومشاوراتنا الاستراتيجية رفيعة المستوى، معبراً عن إمتنانه لتوافق نظرائه الأوروبيين بأن إنضمام تركيا إلى الإتحاد يعد مكسباً للسلام العالمي وليس للإتحاد وتركيا فقط.
وأكد "داوو أغلو" أن الحكومة التركية الجديدة ستكون بمثابة حكومة إصلاحات وستبذل ما بوسعها من أجل فتح أكبر عدد من فصول التفاوض العام المقبل من أجل تسريع انضمام تركيا لأوروبا، قائلا:"إذا تمكنا من حلِّ المسألة القبرصية، والمحادثات تجري بشكل جيد الآن، فإن عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي لن تكون حلمًا، وسنكون بذلك ملتزمين تجاه الوعود التي قطعناها أمام شعبنا بشأن تسريع عملية انضمامنا للاتحاد".
ولكن بعد التصريحات الأخيرة لمسؤولين في الإتحاد الأوروبي هددت تركيا بوقف تنفيذ إتفاقها بخصوص اللاجئين ما لم يفي الإتحاد بوعوده قبل حزيران المقبل، ملمحة إلى المماطلة في تسليم الأموال الموعودة من بروكسل. وكان وزير الشؤون الخارجية التركي "مولود شاوش أوغلو" قال في هذا الشأن: "يوجد مشكلة فيما يتعلق بالوفاء بالمليارات الثلاثة التي تعهد بها الإتحاد للمهاجرين السوريين، مشدداً على أن هذه الأموال تم التعهد بها للاجئين السوريين وليس للأتراك وعلى أوروبا أن تكون أكثر واقعية" مضيفاً "بأنه يوجد إختلال في هذا الشق من الإتفاق ولكن لا يوجد أي مشاكل فيما يخص تنفيذ الإتفاق".
ختاماً: نستطيع القول بأن هذا الصراع القائم بين تركيا والإتحاد الأوروبي هو صراع مصالح ولا ينتهي إلا بتحقيق مصالح الطرفين. ومن المؤكد أن الخاسر الوحيد هو هذا الشعب المظلوم الذي خسر وطنه بالأمس القريب واليوم أصبح لعبة رخيصة بيد الدول الكبرى. فمن الذي سيربح ويحقق أهدافه؟؟