الوقت - بإنتهاء الإنتخابات النيابية السورية تكون البلاد قد نجحت في تحقيق إنجاز هام في ظل ظروف سياسية وأمنية وعسكرية معقدة للغاية. ويعتقد المراقبون إن البرلمان الجديد سيواجه تحديات عديدة لابدّ من إيجاد حلول لها بالحكمة، والتحلي بقدر كافي من روح المسؤولية لمواجهتها.
وقبل الدخول بتفاصيل هذه التحديات نشير إلى بعض الأرقام التي أعلنتها اللجنة القضائية العليا للإنتخابات في سوريا:
- بلغت نسبة المشاركة 57.5 بالمئة.
- عدد من حق لهم ممارسة الإنتخاب داخل البلاد هو 8 ملايين و834 ألفا و 994 شخصاً، في حين إقترع منهم 5 ملايين و85 ألفا و444 شخصاً.
- تم إختيار 250 نائباً لعضوية المجلس الجديد من بين أكثر من 3000 مرشح من كافة المحافظات.
- بلغ عدد المراكز الإنتخابية أكثر من 7300 مركز.
- عدد مقاعد البرلمان حسب المحافظات: دمشق وضواحيها (49)، حلب وضواحيها (52)، حمص (23)، حماه (21)، إدلب (18)، اللاذقية (17)، دیر الزور (14)، الحسكة (14)، الرقة (13)، درعا (10)، السويداء (6)، القنيطرة (5).
وبالعودة إلى التحديات التي تواجه البرلمان القادم، يمكن تلخيص هذه التحديات بما يلي:
التحدي الأمني
تعيش سوريا منذ أكثر من خمس سنوات أزمة أمنية حادّة بسبب العمليات العسكرية، وإنتشار الجماعات الإرهابية في الكثير من المناطق والتي إرتكبت جرائم بشعة، راح ضحيتها ما يقرب من 200 ألف شخص حسب تقديرات الأمم المتحدة بينهم الكثير من المدنيين.
التحدي السياسي
تواجه سوريا ضغوطاً سياسية كبيرة من الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا والتي تطالب برحيل الرئيس "بشار الأسد" عن السلطة. وقد إعترضت العديد من هذه الدول ومن بينها فرنسا على إجراء الإنتخابات البرلمانية الأخيرة بدعوى عدم شرعيتها مع وجود "الأسد" في سدة الحكم. وخلال الأشهر الاخيرة ثبت أن المطالب الخارجية وبينها مطلب واشنطن المتعلق بتشكيل "حكومة إنتقالية" أمر لا يمكن تحقيقه، خصوصاً بعد أن حقق الجيش السوري إنتصارات مهمة على الجماعات الإرهابية لاسيّما تنظيم "داعش" لاسيّما في مدينة تدمر وريف حلب الجنوبي.
كما أثبت الشعب السوري من خلال مشاركته الواسعة في الإنتخابات بأنه يرفض التدخل الخارجي في شؤون بلاده ويسعى لحل مشاكله في شتى المجالات بالتعاون مع حكومة بلاده بعيداً عن أي تدخل أجنبي. وتجدر الاشارة إلى أن هذه الإنتخابات قد تميّزت عن سابقاتها ولأول مرّة بمشاركة منتسبي القوات المسلحة بالإدلاء بأصواتهم في صناديق الإقتراع.
التحدي الإقتصادي
تعرضت سوريا طيلة السنوات الخمس الماضية إلى أزمة إقتصادية حادّة أثّرت بشكل ملحوظ على الوضع المعيشي للمواطنين نتيجة تكاليف الحرب، والحظر الغربي المفروض على البلاد منذ بداية الأزمة عام 2011 والذي شمل تجميد أرصدة سوريا في البنوك الأجنبية، ومنعها من إستيراد السلع الأساسية والمواد الأولية اللازمة لتشغيل المصانع وإتمام أو إنشاء البنى التحتية.
مشكلة النازحين
أضطر مئات الآلاف من السوريين إلى مغادرة مناطقهم والتوجه إلى مناطق أخرى هرباً من الجرائم البشعة التي ترتكبها الجماعات الإرهابية. وخلال ذلك تم تخريب معظم المنازل السكنية والبنى التحتية في تلك المناطق من قبل الإرهابيين.
ولمواجهة هذه التحديات ينبغي للبرلمان القادم أن يقر قوانين تسهم في إعادة الأمن والإستقرار إلى البلاد، وتعيد النازحين إلى مناطقهم بعد إعادة إعمارها، وتوفير جميع المستلزمات والخدمات الضرورية خصوصاً الكهرباء والمياه الصالحة للشرب وإعادة تأهيل المدارس والمستشفيات، فضلاً عن القطاعات الأخرى لاسيّما في المجالين الزراعي والصناعي. وكذلك العمل على وضع خطط لتعويض هؤلاء النازحين ماديّاً ومعنوياً عمّا فقدوه جراء تعرض مناطقهم للتدمير لاسيّما في المجال الزراعي، وكذلك بناء مجمّعات سكنية لمن تعرضت منازلهم للتخريب بسبب الهجمات الإرهابية، وإيجاد حلول لمشكلة المفقودين في هذه المناطق.
كما ينبغي للبرلمان القادم أن يعمل على وضع خطط وبرامج لإعادة بناء جميع مؤسسات الدولة التي هدّمتها الجماعات الإرهابية خصوصاّ التي لها مساس مباشر بحياة المواطنين كالوزارات الخدمية والمؤسسات التربوية والتعليمية. كما ينبغي العمل على إعادة نشاط المنظمات الدولية والهيئات التابعة لها لارسال مساعدات إنسانية إلى المناطق التي لا تزال محاصرة من قبل الإرهابيين.
وعلى الصعيد السياسي لابد للبرلمان القادم من إقرار قوانين تساهم في إجراء المصالحة الوطنية بين كافة الفرقاء السياسيين، وإيجاد حلول مناسبة لمشكلة المختطفين من قبل الجماعات الإرهابية.
هذه التحديات تتطلب من أعضاء البرلمان القادم العمل كفريق واحدٍ والتحلي بقدر عال من الحكمة وتحمل المسؤولية والوفاء بالوعود التي قطعوها على أنفسهم خلال الحملات الإنتخابية من أجل تلبية تطلعات الشعب السوري الذي تحمّل الكثير من المعاناة وضحّى بالغالي والنفيس في سبيل الدفاع عن بلده ومستقبل أبنائه.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن المشاركة الواسعة في الإنتخابات دللت بوضوح على أن الشعب السوري لا زال يرغب ببقاء نظام حكم الرئيس "بشار الأسد"، كما أثبتت مشاركة باقي الأحزاب والأطراف السياسية (غير حزب البعث) في هذه الإنتخابات إن السوريين قادرون على تقرير مصيرهم بأنفسهم دون تدخل أجنبي. وهذا الأمر من شأنه أن يعزز مشروعية نظام "الأسد" لدى المجتمع الدولي ويقوّي من موقف الحكومة السورية خلال مفاوضات "جنيف" الرامية إلى إيجاد تسوية سلمية للأزمة السورية، كما يعزز موقف القوات المسلحة لمواصلة عملياتها ضد الجماعات المسلحة في حال فشل وقف إطلاق النار بين الجانبين. أمّا فيما يتعلق بتأثير هذه الإنتخابات على مستقبل سوريا السياسي فيمكن القول إن هذه الانتخابات سيكون لها تاثير كبير على المصالحة الوطنية لأن البرلمان القادم سيضم نوّاباً موالين ومعارضين لنظام "الأسد". و وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 2254 الصادر في كانون أول/ ديسمبر 2015 فإن مستقبل سوريا يجب أن يبقى بأيدي أبنائها وليس أي جهة أخرى.