الوقت- يُصادف هذه الأيام الذكرى العشرين لعدوان نيسان وعمليات "عناقيد الغضب" الصهيونية التي شنتها القوات الاسرائيلية على الآمنين في جنوب لبنان، وقد اتسمت هذه العمليات العدوانية بأنها الأقسى والأشد تدميرا للمناطق السكنية في الجنوب والبقاع اللبناني منذ الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 م. وقد أدى هذا العدوان إلى حدوث موجة نزوح لسكان الجنوب باتجاه المناطق الأكثر أمنا واستمرت لمدة 16 يوما استنفذ خلالها العدو الصهيوني كافة أشكال الهمجية مستخدما كافة قواه العسكرية الجوية والبرية والبحرية. مما أدى إلى وقوع أعداد كبيرة من الضحايا إضافة إلى الأضرار الجسيمة التي خلفها في المنشآت السكنية والمدنية بكافة أشكالها.
وتبقى الجريمة الأفظع التي وقعت خلال العدوان الاسرائيلي هي المجزرة التي ارتكبت بحق أطفال بلدة "قانا" الصغيرة. ففي عصر يوم 18 أبريل قامت الطائرات الحربية الاسرائيلية بقصف مركز قوات الأمم المتحدة الواقع في البلدة موديا بحياة العشرات جلهم من النساء والأطفال والآمنين الذين لجؤوا إلى أهم سلطة دولية يمكن لها تأمين الحماية لهم.
فقد التجأ أهالي البلدة إلى مركز الأمم المتحدة هربا من القصف الاسرائيلي الذي بدأ يطال المدنيين لضعف البنك المعلوماتي الذي ابتلي به الصهاينة، فبدؤوا بصب جام غضبهم على المدنيين تحت حجج واهية بهدف ارهاب المجتمع الذي احتضن مقاومة هي عزه وشرفه. وكانت نتيجة المجزرة سقوط 111 شهيدا إضافة 129 جريحا كلهم من المدنيين وجلهم من الأطفال والنساء والعجز.
نعم لقد استهدف الحقد الصهيوني مقر الأمم المتحدة أمام مرأى ومسمع المجتمع الدولي، وكانت المجزرة بدرجة من الفظاعة لم يُتمكن بعدها من تحديد هويات 18 شهيدا كُتب على قبورهم "شهيد مجهول الهوية" و"شهيدة مجهولة الهوية" و"طفل شهيد مجهول الهوية". نعم إنها قانا تلك البلدة الصغيرة التي استهدفت وهزت الضمير العالمي مرتين المرة الأولى في نيسان أبريل 1996 والثانية خلال عدوان تموز 2006م.
وأمام العالم الخانع للارادة الصهيونية، كان الجواب الاسرائيلي من حاخاماتهم الذين أفتوا بقتل الناس في قانا، فحسب حكم توراتهم الزائف إن قتل الناس في قانا مباح. عدوان عناقيد الغضب قد أشعل غضب الأحرار في العالم ضد الصهاينة فأُجبروا بسبب الدماء التي سقطت في الجنوب اللبناني على إيقاف عدوانهم دون تحقيق أي من أهدافهم، إلا أمريكا وقفت ضد أي قرار أممي يدين العدوان الاسرائيلي متبنية القصة الاسرائيلية التي تقول أن مجزرة قانا أتت أثر اشتباه وليس عن سابق اصرار وترصد. وهذا ما ينفيه بعض من شهد الحادثة بأم العين من عناصر وضباط القوات الدولية في الجنوب (اليونيفل) الذين يؤكدون أن هكذا استهداف لمقر الأمم المتحدة لا يمكن أن يتم عن طريق الخطأ بل هو عمل إجرامي موصوف.
وقد سقط في هذه المجزرة 27 شخصا من عائلة واحدة هي بلحص و10 من عائلة البرجي و9 أشخاص من عائلة ديب إضافة إلى شهداء من عوائل أخرى متفرقة. ورغم فظاعة المجزرة التي يندى لها الجبين، وبخجل تم اتخاذ قرار غير ملزم في الأمم المتحدة يدين الجريمة ويُغرم الكيان الاسرائيلي بدفع تعويضات تصل لـ4.2 مليار دولار لعوائل الضحايا إلا أن الصهاينة وكما عهد العالم بهم لا يعيرون اهتماما ولا وزنا لأي من القرارات الدولية. خاصة في ظل الحماية الأمريكية العمياء لهم.
عناقيد الغضب، كانت الحرب الرابعة للصهاينة على لبنان، فالحرب الأولى كانت عام 1978 م والتي احتل خلالها الصهاينة حزاما داخل أراضي الجنوب اللبناني في محازات الحدود اللبنانية الفلسطينية المحتلة، الحرب الثانية كانت عام 1982 م والتي تمكن الصهاينة من اجتياح لبنان خلالها واصلين إلى العاصمة بيروت، والحرب الثالثة كانت بالاجتياح الجزأي عام 1994م والذي نفذ داخل مناطق من الجنوب اللبناني المحتل في ذلك الوقت.
مجزرة قانا الثانية
كانت قانا على موعد جديد مع الشهادة وانتصار الدم على السيف في عدوان تموز 2006م الذي شنه الصهاينة على لبنان بذريعة أسر جنود اسرائيليين، ففي 30 تموز يوليو قامت طائرات الحقد الاسرائيلية بشن حملة صاروخية على مبنى يقع في وسط البلدة، مما أدى إلى سقوط 54 شهيدا بينهم 37 طفلا وجرح العشرات، حيث كان يسكن المبنى المؤلف من أربع طبقات عشرات من الأطفال والعجزة الذين لم يتمكنوا من ترك البلدة بسبب العدوان. وكل ذلك أتى أمام مرأى ومسمع المجتمع الدولي بل والعربي الذي أعطى الصهاينة الحق في العدوان على لبنان معتبرا المقاومة مغامرة في تجرأها على العدو الاسرائيلي.
وبعد هذه المجزرة أتى الجواب مجددا من داخل الكيان الاسرائيلي ليبارك هذا العمل ويعتبره شرعيا بناء على تعاليمهم التي تقول أن لا بريء في صفوف العدو خلال الحرب، وأضافوا وبكل وقاحة منتقدين العالم أجمع "إن الحديث عن الأخلاق لا محل له من الاعراب خلال الحرب، وهذا يؤدي إلى إضعاف الروحية القتالية للجيش الاسرائيلي". طبعا أمام كل ذلك خنع العالم بما فيه الحكومات العربية، إلا قانا ومن بقي منها حيا ينادي بأعلى الصوت أقتلونا فإننا سنعي أكثر فأكثر ولن نركع.