الوقت- لاشک ان الحوار الثنائي، الذي جمع بین تیار المستقبل وحزب الله، کان له ترددات کبیرة علی الساحة اللبنانیة، بین المسلمین الممثلین بالشیعة و السنة من جهة، وبین البنانيين بشکل عام من جهة اخری. و لا شک ایضا ان العلاقات المسیحیة - المسیحیة ستتاثر بالنتائج التي ستظهر عن هذا الحوار السني - الشیعي، والتي بدات اثاره تظهر مع انطلاق محاولات للجمع بین قطبي المسیحیین اللبنانیین علی طاولة حواریة اخری. مساع من شانها ان تنقل لبنان من مرحلة الخوف و المشاحنات السیاسیة الی مرحلة اکثر هدوءا بین الاطراف السیاسیة اللبنانیة کافة. فهل یمکن التوصل الی حوار مسیحی - مسیحی؟ و ما هي تداعیات هذا الحوار المرتقب علی الساحة اللبنانیة؟
الاجتماعات التمهيدية للقاء المنتظر بين رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد میشال عون ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمیر جعجع بدات منذ الایام الماضیة، و قد علقت المصادر المعنية بالتحضير للقاء بالقول "من یقرر الشرب لا یجب ان یعد الکؤوس" للفت الانتباه حول امکانیة ان یطول أمد المباحثات الثلاثية التي يرأسها عون في مقر اقامته في الرابية وتضم النائب ابراهيم كنعان ورئيس جهاز الاعلام والتواصل في حزب "القوات اللبنانیة" ملحم رياشي، مذكرة بأن ما بين الزعيمين والحزبين أكثر من 30 عاما من التباعد والدم والحروب، وبالتالي فاذا طالت المرحلة التمهيدية للقاء فذلك مبرر ومطلوب ويؤكد جدية ما يتم الاعداد له.
قرار الحوار المسیحي المسیحي، یحضر له بدفع فاتيكاني، للسعي نحو تقارب من شانه ان یحل مشاکل قدیمة. و لکن حتى الساعة لا مؤشرات توحي بنضوج طبخة رئاسية ما بين الرابية ومعراب بالرغم من كل الايجابيات التي يضخها الطرفان، وكان آخرها ثناء قوتين على مواقف عون الأخيرة، الا أن الزعيمين مقتنعان تماما بأن العصا السحرية لحل الأزمة الرئاسية لا تزال بين أيديهما وبأنهما قادران، وفي حال توافقا على اسم الرئيس المنتظر، على فرضه على حلفائهما وفك ارتباط الملف الرئاسي اللبناني بباقي الملفات الساخنة في المنطقة والتي على ما يبدو أنها ستبقى عالقة بانتظار تسوية دولیة لا تبدو قريبة.
التقارب بین المسیحیین اللبنانیین فرصة تاريخية، فاذا اغتنمها الفریقان، نجحا بفرض صلاحيات جديدة للرئاسة الاولى و اعادا الكلمة الفصل للمسيحيين في الاستحقاقات الكبرى. فقد حان الوقت ليلوح المسيحيون بورقة قوتهم التي تكمن بوحدة قرارهم و كلمتهم. وقد لا تصح اشاعة الكثير من التفاؤل لجهة نجاح عون و جعجع بتخطي هذا الامتحان نظرا لتجارب سابقة غير مشجعة، الا ان قليلا من الدفع والتذكير بما هما قادران عليه ينفع و لا يضر.
و مما لا شك فیه، ان الحوار الداخلي المزدوج له وظيفة واضحة ظهرت على لسان الأطراف المتحاورة او المتجهة الى الحوار، و هو تنفيس الاحتقان المذهبي بين الشيعة والسنة، وفي داخل البيت المسيحي الواحد. و الواضح لبنانیا من الحوار المنشود انه قد يعبد الطريق نحو تسوية او حل جذري، بازالة حقول الالغام من امام الجميع. و قد اتضح بالتحليل السياسي المنطقي المستنبط من الواقع الميداني بان لبنان ما عاد ارضا للتفجير كما كان في سنة 2014، بل معد الان لتهدئة نوعية تصب في إطار و مصلحة اللبنانیین جمیعا.
الحوار المسيحي- المسيحي، يتميز ایضا بحراكه التاسيسي لحقبة جديدة يجب ان تقوم على ميثاق مشترك يجمع المسيحيين في حركة الوجود. في هذا المجال ظهر رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد میشال عون واضحا في حديثه التلفزيوني الأخير حين انطلق من ورقة التفاهم بين التيار و حزب الله التي استغرقت سنوات عديدة، ليخلص إلى انه ليس من مانع للوصول إلى ورقة تفاهم بين المسيحيين وخصوصا بين القوتين الاكثر تمثیلا في الوسط المسيحي. و على الرغم من كون الملف المسیحي الاول و الاکثر حساسیة هو ملف الرئاسة الا ان الحوار المسیحي - المسیحي، بالدرجة الاولى وجودي - تاسيسي لخطاب مسيحي ينطلق من لبنان ليعانق قضايا المسيحيين العرب في المشرق العربي من العراق إلى سوريا وفلسطين ومصر والاردن. ذلك لان المسيحيين العرب، لا يزالون يعقدون الامال على مسيحيي لبنان في تامين الحماية السياسية الكاملة بالعمق الوجودي الذي يخصهم بالبقاء على ارضهم.
الحراک نحو حوار مسیحی - مسیحی اذن یؤسس لمرحلة جدیدة، لبنانیا و اقلیمیا، ومن شانه ان یحمل الوضع اللبناني نحو استقرار فقده الشعب اللبناني منذ سنوات عدیدة. فهل تبشر الایام المقبلة بتفاؤل یحمل اللبنانیین الی بر امان سیاسي؟ الاجوبة تبقی مرهونة بجدیة الاجتماعات و القرارات الصادرة عنها...