الوقت- لا يختلف إثنان فی أن الاوضاع المأساوية والكارثية التي تشهدها منطقة الشرق الاوسط منذ أمد بعيد تقف وراءها عوامل أمنية وسياسية وايديولوجية عديدة، وبات الجميع متفق على أن أهم سبب لهذه الأوضاع يكمن في وجود كيان الإحتلال الاسرائيلي من جهة والتيارات التكفيرية والارهابية من جهة آخرى، بإعتبارهما وجهان لعملة واحدة.
وتشير جميع القرائن والدلائل الى أن اسرائيل و"داعش" هما الأكثر إجراماً وإنتهاكاً لكل القوانيين والاعراف الدولية خلال العام المنصرم ( 2014 ) الذي كشف عورات من يقف وراء هذيْن التهديديْن وبالخصوص اجهزة المخابرات الغربية وعلى رأسها الـ CIAوحكومات بعض الدول الاقليمية.
ومن هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ما قامت به اسرائيل أثناء عدوانها على قطاع غزة العام الماضي الذي راح ضحيته آلاف الفلسطينيين الآبرياء أكثرهم من الاطفال والنساء أضافة الى تدمير الآلاف من المنازل والمدارس والمنشات المدنية في القطاع، وما يقوم به "داعش" من عمليات إعدام واغتيالات واسعة في صفوف المدنيين من الشيعة والسنّة وكل من يختلف معه في الرأي عن طريق الخطف والذبح والاغتصاب وحرق وهدم دور العبادة بصرف النظر عن الديانة، وسرقة الاموال والممتلكات العامة في المناطق التي استولى عليها في سوريا والعراق ومناطق أخرى من المنطقة.
وفي الحقيقة ليس هناك فرق بين اسرائيل وداعش فكلاهما يضطهد الإنسان ويخلف وراءه آلاف الضحايا، ترافقها عمليات هدم وتدمير لأحياء سكنية كاملة يصبح الآلاف من أهلها مشردين لا ملاذ لهم. وكلاهما، يتبنى كل ما من شأنه الاستهانة بحياة الإنسان وما يحمله من قناعات ومقدسات تشير إلى انتمائه الوطني أو الديني أو القومي. وكلاهما يتشكل من عصابات إجرامية مصابة بجرثومة التطرف، ومرتزقة قدموا من كل حدب وصوب.
فداعش الذي يتلذذ عناصره بقطع الرؤوس ويتوعد بتدمير التراث والثقافة اينما حلّ، هو الوجه الآخر لـ "إسرائيل" بإسلوبها القمعي ضد الفلسطينيين وزرع الخوف في قلوب الأبرياء العزل.
وهناك الكثير من الاسباب التي تجعل من هذا التهديد الثنائي شديد الخطورة، ابرزها استعداد اسرائيل وداعش وباقي التنظيمات الارهابية لأرتكاب أفضع الجرائم لزعزعة استقرار المنطقة وإبقاء دولها متصارعة في نزاعات عرقية ومذهبية لأجل نهب ثرواتها وتفتيت مكوناتها.
ولا يمكن للمتتبع لما تقوم به "داعش" والجماعات المتطرفة المماثلة أن يغضّ الطرف عن تطابق الأساليب التي تعتمدها كقطع الرؤوس ودفن الأحياء، مع وحشية إسرائيل ضد الفلسطينيين كجرائم صبرا وشاتيلا وقانا ومذابح الأقصى والحرم الإبراهيمي وخان يونس وغيرها من المدن والبلدات الفلسطينية. وما فعلته على مدار سنوات الاحتلال باغتيال القادة الفلسطينيين سواء كانوا داخل الأراضي الفلسطينية أو خارجها، ومن أشهرهم خليل الوزير، وغسان كنفاني، وصلاح شحادة، وفتحي الشقاقي، والشيخ أحمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وغيرهم .
ولابد أن نشير هنا الى جريمة اغتيال عدد من العلماء النوويين الايرانيين في السنوات الأخيرة على يد عملاء الموساد الاسرائيلي بينهم الدكتور مسعود على محمدي والدكتور مجيد شهرياري والاستاذ داريوش رضائي نجاد والاستاذ مصطفى احمدي روشن، كجزء من حملة غربية - اسرائيلية تستهدف برنامج أيران النووي وحذف العقول العلمية من معادلة المواجهة، وهو ما اشارت إليه أكثر من صحيفة غربية بينها "الصاندي تلغراف" البريطانية ومجلة "دير شبيغل" الألمانية، واثبتتها اعترافات الجاسوس الامريكي "متي والوك" الذي القي القبض عليه بالجرم المشهود في ايران.
وقد اعترف المسؤولون الاسرائيليون بالمشاركة في اغتيال العلماء الايرانيين. وهناك تقارير وتصريحات تؤكد أيضاً تورط الموساد باغتيال علماء ذرة عراقيين، وهو ما اشار اليه مستشار الأمن القومي العراقي السابق موفق الربيعي .
فإسرائيل زرعت كالسرطان في جسد الأمة لتهديدها كما وضعت داعش كسكين في خاصرتها للغاية ذاتها، في سياق تواطؤ عالمي، وبالتالي فإن استمرارهما مطلوب وفق صيغ محددة سلفاً، فالأولى تقتل الأبرياء في غزة، وتجتاح أراضيهم بدم بارد، وهو ذات النموذج الذي تعتمد عليه داعش، حيث تمارس القتل والترويع وذبح الأبرياء فى العراق وسوريا ودول أخرى في المنطقة.
وداعش كما اسرائيل فُرضت من الغرب على المنطقة بهدف شرذمتها وزرع الفتن بين بلدانها لاستكمال حلم الصهيونية ومشروعها الذي لم ينته بعد. وحالياً تحاول اسرائيل ومن ورائها الوصول الى هذه الفتنة من خلال داعش الذي يعمل لتشويه صورة الاسلام وتحريف الشريعة .
فداعش الذي يمثل نازية القرن الحادي والعشرين ليس سوى ذراع قذرة للجيش الاسرائيلي لنهش شعوب المنطقة، وما يرتكبه هذا التنظيم الارهابي في العراق في الوقت الحاضر هو استمرار لما بدأه الاحتلال الأميركي لهذا البلد عام 2003.
ولايمكن في هذا المجال تجاهل حقيقة أن من ساعد على وجود داعش هي الولايات المتحدة الامريكية لتحقیق مخططاتها فی السیطرة على المنطقة وهو ما اعترفت به صراحة وزيرة خارجيتها السابقة هيلاري كلينتون .
وفي المحصلة، فإن تنظيم «داعش» يشكل، مع سواه من التنظيمات الارهابية ، عنصر دعم للكيان الإسرائيلي، الذي يزداد استيطاناً وتهويداً في الأراضي المحتلة. وقد اتضح للجميع أن الهدف الرئيس من ظهور هذه الجماعات المتطرفة في المنطقة هو السعي لتمزيق دولها وإضعاف قدراتها، وهو من أبرز الأهداف التي تسعى الدوائر الصهيونية الى تحقيقها منذ نشوئها وحتى الآن.