الوقت - بعد التقدم الكبير الذي حققه الجيش السوري وحلفاؤه في البادية السورية من تحرير مساحات شاسعة من الأراضي السورية ومن أهمها مدينة تدمر الأثرية حول سير المعارك في سوريا، أعيد الى الأذهان مشهد الآثار والمعالم الأثرية في هذه المدينة التاريخية والتي تعتبر من الأقدم في العالم، وبات السؤال الذي يهم العامة والمتخصصين من علماء الآثار، ما المصير الذي آلت اليه هذه المدينة الأثرية وهل دمرها داعش كما فعل في العراق؟
همجية داعش لم ترحم القيمة الثقافية والتاريخية لمعالم المدن
سبق لتنظيم داعش الارهابي أن سيطر على مناطق كثيرة ذات طابع أثري في العراق وسوريا، وشهدنا قيام مسلحي داعش بتدمير معالم كثيرة منها مدينة الحضر الأثرية، الواقعة الى الجنوب من الموصل بمحافظة نينوى، وهي المدينة التي شيدت قبل أكثر من ألفي عام، كما دمروا آثار مدينة النمرود الآشورية في محافظة نينوى أيضا، اضافة لنهبهم قطعا من الذهب والفضة والآثار من هذه المناطق الأثرية العريقة.
وباتت الكنوز الاثرية والتراث الثقافي والتاريخي لشعوب المنطقة عموماً والعربية خاصة في مهب الريح جراء اقدام عناصر داعش التكفيرية على هدم وتدمير كافة المعالم الاثرية والتاريخية في المنطقة، ولم يكتف "داعش" بالاعتداء على البشر، نحرًا وحرقًا وصلبًا، بل امتدت سلسلة عملياته التخريبية لتطال تحف التاريخ وصروحه في اي منطقة تطأها اقدام عناصره، فبعد سماع أنباء عن تدمير داعش لمعبد "بعل شمين" في مدينة تدمر الاثرية السورية تزايدت المخاوف بأن يكون التنظيم قد دمر آثار تدمر كلها وطمس حضارة زنوبيا ومملكتها تدمر التي يفتخر بها السوريون والعرب لأنها حضارة ضاربة في القدم والعراقة.
فهل دُمرت آثار تدمر؟ وكم تضررت؟
قام المعنيون بدراسة حجم الأضرار التي لحقت بالمنطقة الأثرية في تدمر وحسب تقرير أُعد حول الموضوع، أكد المدير العام للآثار والمتاحف في سوريا "مأمون عبد الكريم" أن الصورة كانت واضحة بعد مشاهدة الفيديوهات التي تم عرضها في الأيام الماضية، لافتاً إلى أن الكتل الضخمة وأسوار بيل والمسرح والمصلبة والشارع المستقيم بخير ولا يوجد فيها أي أضرار كما كان متوقعاً.
وأوضح "عبد الكريم" في تصريح لـوكالة الأنباء الروسية "سبوتنيك"، أن "الصورة أعطت نوعاً من التفاؤل كنسمة الهواء من الصحراء الساخنة، اذ تأكدنا أنه يمكن البدء بإعادة إعمار مدينة تدمر من جديد وتطوريها"، مشيراً الى "أننا كنا نتوقع أن يكون هناك أضرار بالمسرح في الشارع المستقيم وبأسوار المعبد ولكن الحمد لله كلها وضعها ممتاز فالتصوير كان بطريقة محترفة وواضحة".
ولفت الى وجود نوع من الاستثناءات في حي الحفريات الصغيرة، التي لا يمكن للطيران أن يصل إليها، إضافة لتفاصيل صغيرة جداً، لا يمكن معرفتها وهي تحتاج إلى رؤية بشكل أدق بعد زيارة المدينة لأنها تتعلق بالتنقيب غير الشرعي، مؤكداً أن تنظيم "داعش" كان يشجع على التنقيب غير الشرعي من خلال الدخول إلى المدافن والحفر لاستخراج الآثار من عملات التنقيب السري عن الكنوز والتحف أو تحويل المتحف إلى سجن، وهنا لا يمكن أن نعلم مدى الاضرار التي لحقت بها.
كما اشار الى أنّ ما حدث في تدمر خسارة للمجتمع الدولي وللحضارة المعاصرة، معتبراً أنه "اذا حدث مكروه في مدينة تدمر مثلما حدث في شمال العراق سيكون نزيفا وجرحا مستمرا لأجيال وأجيال".
يجدر بالذكر أن مملكة تدمر التي تقع عاصمتها في مدينة تدمر في وسط الجمهورية العربية السورية، كانت من أهم الممالك السورية القديمة التي ازدهرت بشكل خاص في عهد ملكتها زنوبيا، وهي تبعد 215 كيلو متر شمال مدينة دمشق، و70 كيلو متر عن مدينة السخنة وحوالي 160 كيلو متر عن مدينة حمص ونهر العاصي، وكانت حضارتها تنافس حضارة الإمبراطورية الرومانية القديمة، كما كانت محطة تجارية في غاية الأهمية بين أسيا وأوروبا حيث تقع تدمر بين نهر الفرات والبحر الأبيض المتوسط وهو خط التجارة البري الأساسي بين حضارات ذلك العصر.
فهل تحقق الصور الجوية أماني المهتمين بهذه القيمة الأثرية العالية الأهمية؟ أم أن معاينة المدينة عن قرب وعلى الأرض سيكشف خسائر كبيرة لم تكن واضحة من الجو؟ الأيام القليلة المقبلة ستكشف بقية المستور ونأمل أن تتحقق التوقعات الايجابية للمدير العام للآثار في سوريا.