الوقت- تتسارع الخطوات الصهيونية لدول مجلس التعاون التي ختمتها السعودية مؤخراً بتصنيف حزب الله "منظمة إرهابية" في الثاني من آذار الحالي، لتلتحق بعدها البحرين بقرار صهيوني جديد عبّر عنه ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة خلال لقائه الحاخام مارك شناير في قصره في المنامة.
لم تشهد الساحة العربية صلافةً مماثلة لما سمعناه وشاهدناه في الفترة الأخيرة، وتحديداً منذ بداية شهر آذار الحالي، آذار المشؤوم كما سمّاه البعض، فأن يجهر العرب بمواقف معادية للمقاومة ولفلسطين وقضيّتها، أو أن يدعو الملك حمد أمام الحاخام أمام شناير إلى "توسيع مواجهة حزب الله قدر الإمكان في العالم العربي" أو القول بأنّ "فتح بعض البلدان العربية قنوات دبلوماسية مع الكيان الإسرائيلي مسألة وقت فقط"، فهذا يعني شيئاً واحدا " إن لم تستحِ فافعل ماشئت".
لم يكن لقاء حمد- شناير الأول من نوعه وبالتأكيد لن يكون الأخير أيضاً، لأن الموقف السعودي اليوم يرى في الكيان الإسرائيلي مدافعاً عن أصوات "الإعتدال العربي". ما كان غريباً قبل كتابة هذه السطور بالنسبة إليّ كمواطن عربي، هو أن يتم إستقبال ملك البحرين للحاخم الإسرائيلي بالتزامن مع منع السلطات البحرينية قياديّي الاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي وعبد الكريم جراد، من دخول البحرين لحضور مؤتمر لاتحاد عمال البحرين بسبب رفض الإتحاد لتصنيف حزب الله اللبناني منظمة إرهابية، هنا أيضاً، إن لم تستح فافعل ما شئت.
كان حريّاً بالملك البحريني الذي يزج بجملة من علماء بلده في السجون السياسية، وينفي آخرين إلى الخارج بعد سحب جنسيتهم، حرياً به أن يعلن أن الزيارة لرئيس مؤسسة التفاهم العرقي في نيويورك، الحاخام مارك شناير تأتي في إطار تعزيز العلاقات بين الأديان أو الأعراق، وبالتالي المضي في سياسة التطبيع غير العلني مع الكيان الإسرائيلي. بعبارة آخرى، لا شك في أن حيل الدول العربية التي تمتلك باعاً طويلاً من التطبيع السري مع الكيان الإسرائيلي، لا تنطلي على أحد من أبناء الشعوب العربية والإسلامية، ولكن الصلافة الأخيرة التي قابلنا بها الملك البحريني تعد ضربةً جديدةً للجسد العربي المثقل بالجراح، فلو إكتفى الملك حمد بما ظهر علانيةً خلال اللقائين السابقين مع الحاخام شناير لكان أفضل للحكومة البحرينية قبل غيرها من الدول.
لاشك في أن موقف الملك لا يمثل رأي الشعب البحريني الذي يرفض موقفه جملةً وتفصيلاً، ذلك أن هذا الملك المنصّب سعودياً عبر درع الجزيرة ينتهج سياسات خارجية متهوّرة على شاكلة الإجراءات القمعية في الداخل كالقتل والسجن والتعذيب والطرد، تسعى لتحقيق الأهداف السعودية على الساحة الإقليمية. إن المنامة اليوم تعد رأس الحربة في المشروع السعودي التدميري، وبالتالي ستكون الخاسر الأول عند موسم الحصاد بإعتبارها وضعت كل البيض في سلّة واحدة.
لم يستح الملك البحريني من القول "أن إسرائيل قادرة على الدفاع ليس عن نفسها فحسب بل عن أصوات الاعتدال والدول العربية المعتدلة في المنطقة"، إلا أن هذا الأمر لا يزيد الشعوب العربية بكافّة أطيافها سوى قناعة على يهودية الحكومات الخليجية في البحرين والسعودية، لأن قبلة هذه الشعوب لا زالت فلسطين.
في المقلب الآخر، تحاول السلطات الإسرائيلية الإستفادة من الخلافات العربية لتجييرها لصالحها، وهذا ما يستشفه القارئ العربي من كلام الحاخام شناير الذي اكّد "إن العداوة المشتركة التي تكنها الدول الخليجية وإسرائيل تجاه حزب الله ورعاته الإيرانيين يجب أن تُستغل كفرصة لإنشاء تحالف مع هذه البلدان التي كانت معادية في السابق للدولة اليهودية" على حد تعبير. ولكن هل "يحسن" الكيان الإسرائيلي صنعاُ من خلال أفعاله هذه؟
في الواقع، إن هذا التقارب سيرتد عكسياً على الكيان الإسرائيلي وكافّة الحكومات العربية العميلة، لأن الشعوب العربية التي ردّت على السعودية بتصنيفها حزب الله إرهابياً ستعجّل في القضاء على كافّة هذه الحكومات المجاهرة بعمالتها، فبعد رحيل هذه الشخصيات العربية صاحبة الجوهر الإسرائيلي، من سيخدم المشروع الإسرائيلي في المنطقة؟
هناك العديد من الشرفاء لا يوافقوني الرأي في لوم هذه الحكومات على موقفها من الكيان الإسرائيلي، فضلاً عن تركها للشعب الفلسطيني لقمة سائغة لقطعان الجيش والمستوطنين، لأن هذه الحكومات تخلّت عن فلسطين والأقصى الذي بات بالنسبة لهم في خبر كان، بل ينتظرون ذهاب حمد وأمثاله إلى الكيان الإسرائيلي، كما فعل أنور السادات. يقول أحدهم: من هنا لا نستطيع لومهم لأنهم لا يرون أنفسهم جزءاً من المحور العربي الإسلامي، إنهم عرّابي محور جديد عنوانه: إن لم تستح فاصنع ما شئت".