الوقت- لم يكن ما كشفته قناة تلفزيونية تركية امس أن "قوات خفر السواحل اليونانية أوقفت سفينة محمّلة بالأسلحة قبالة سواحل جزيرة كريت، كانت محملة بست حاويات، منها 2 مملوءتان بالأسلحة والذخيرة، كانت متجهة من مدينة أزمير تركيا إلى لبنان" أمراً عادياً، بل باتت السفينة التي تعيد إلى الأذهان "لطف الله 2" الشغل الشاغل للبنانيين بسبب الأوضاع السورية التي وصلت نيرانها إلى لداخل اللبناني من ناحية، والتهديدات السعودية التي توعّدت بتفجير الأوضاع في لبنان من ناحية آخرى.
توقيف السفينة التي تحمل اسم "ترايدر"، وترفع علم توغو من قبل خفر السواحل اليوناني وإحتجاز طاقمها الـ11 (ستة سوريين وأربعة هنود ولبناني)، قبل دخولها إلى المياه الإقليمية اللبنانية، فتح باب التساؤل حول الجهة المرسلة إليها، والجهة الممولة التي تؤكد من خلال هذه الخطوة نيّتها تفجير الوضع الأمني في بعض المناطق اللبنانية فهل هذه الأسلحة تختص بالجبهة السورية أم انها للإستخدام الداخلي خاصّة أن بعض الدول الإقليمية هدّدت لبنان بمعاقبته بسبب "مواقفه المرتهنة لحزب الله"؟
لم تقف الأسئلة عند هذا الحد بل تداول الإعلام اللبناني جملة من الأسئلة من قبيل: هل قرّرت السلطات التركية الدخول على خط اللعب بالأمن في لبنان، وتحديداً في منطقة الشمال؟ أم أن العميلة تأتي في إطار العمليات التي تقودها الاستخبارات التركية، كالتي نفّذتها في سوريا دعماً للمعارضة والجماعات الإرهابية؟ أم أن هناك تنسيق سعودي- تركي لتفجير الوضع اللبناني؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه "تهريب سلاح" لأغراض تجارية؟
"لطف الله" جديدة
رغم مباشرة السلطات اليونانية التحقيق مع المحتجزين لمعرفة مصدر السلاح، والجهة التي كانت ستتسلمه في لبنان، في حين أن السلطات اللبنانية تنتظر نتائج التحقيقات التي تجريها السلطات اليونانية مع الأشخاص الذين كانوا على متن السفينة، قد يكون من المبكرالإجابة عن كافّة الأسئلة وملابسات القضيّة، قبل أن تتضح تفاصيل العملية كاملة. إلا أن الحادثة تؤكد نيّة مبيّتة لإستهداف الساحة اللبنانية، بإعتبار أنه في حال رست السفينة في المرافئ اللبنانية كما كا مقرّراً في قضية "لطف الله 2" التي كانت متجهة الى مرفأ طرابلس في نيسان من العام 2012، وأوقفها الجيش اللبناني بعد دخولها الى المياه الاقليمية، أو أن تفريغ الحاويتين المحملتين بالسلاح سيتم في عرض البحر، ومن ثم إدخال الكميات عبر زوارق بحرية الى أماكن أو شواطئ غير مراقبة، فليس بالإمكان أن يكون الهدف نقل السلاح إلى سوريا، نتيجة عدم وجو ممرّ آمن يتيح ذلك.
في هذا السياق تحدّثت مصادر أمنية لبنانية لصحيفة "الاخبار" أن "الأتراك قاموا بعمل إحصائي في لبنان، وجمعوا معلومات عن وجود 84 ألف لبناني من أصول تركمانية، وعن أماكن وجودهم وأنواع أعمالهم وحضورهم السياسي". وبحسب المعلومات، فإن "الأتراك يعملون بقوة مع القطريين في مناطق الشمال على وجه الخصوص. وثمة سعي الى تعزيز موقع الجماعة الإسلامية ودفعها الى التمايز عن تيار "المستقبل" بغية الحصول على تأييد الشارع، وجذب التيارات الإسلامية صوب هذا التحالف، والعمل مع قوى وشخصيات سياسية على هذا الأمر، وتشجيعها على مواقف محافظة اجتماعياً ومواقف سياسية منتقدة بصوت أعلى للرئيس "سعد الحريري" من جهة ولحزب الله من جهة ثانية، وذلك بهدف جذب الشارع المتوتر، والتيارات التي جرت تعبئتها مذهبياً خلال السنوات الماضية"، تحت شعار أن "الأهداف محقّة لكن إدارة الحريري وفريقه فاشلة".
رغم أن ترکیا تعتبر أحد أهم القوى الاقلیمیة التی تزود المسلحین السوریین بالسلاح والعتاد، فیما تعتبر الحدود اللبنانیة الشمالیة واحدة من أهم الممرات التی یتم منها تزوید المسلحین السوریین وخاصة جبهة النصرة بالسلاح، خاصة بعد انهاء تواجد الجماعات التکفیریة فی الحدود الجنوبیة واغلب الحدود الشرقیة، تتزامن سفينة السلاح التركية مع تصعید سلطات آل سعود حملتها علی لبنان بالتعاون مع أدواتها اللبنانیة، مما يغمز إلى وجود تنسيق سعودي تركي لزعزة الأوضاع في لبنان، وفق ما يرى مصدر أمني لبناني رفض الكشف عن إسمه.
بصرف النظر عن الجهة التي تقف خلف الحادث يبدو أن هناك قراراً إقليمياً لإشعال فتيل حرب داخلية في لبنان، إلا أن إلقاء القبض على هذه السفينة لا يعني أبداً عدم وجود سفن آخرى قد تصل في الأيام القادمة، ولا ندري ربّما تكون هذه الشحنة الثانية او الثالثة لزعزة الأمن والإستقرار في لبنان ما يدعو السلطات الأمنية اللبنانية لتوخّي الحذر والتعاطي بحزم مع العابثين بأمن الوطن.