الوقت - أتى التصريح الذي أطلقه وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" خلال جلسة مع إحدى لجان الكونغرس حول إخراج الحرس الثوري الايراني قواته من سوريا كالبشارة الموعودة للجماعات الارهابية المسلحة التي تقاتل على الأراضي السورية. وقد انعكست هذه البشارة الأمريكية على الاعلام الداعم لهذه الجماعات والنافخ بأبواق الحرب والفتنة في الداخل السوري بشكل واضح من خلال الترويج لهذا الخبر بشكل كبير في سعي واضح لتأكيده رغم عدم وجود أي دليل عملي عليه.
وبالعودة إلى التصريح "المريب" في توقيته ومضمونه فقد أطلقه كيري الخميس الفائت أمام الكونغرس وادعى خلاله أن ايران قد سحبت "عددا مهما" من عناصر الحرس الثوري من ساحة الاقتتال في سوريا. وأضاف ان تدخل ايران يتراجع في الداخل السوري وقد سحب الحرس الثوري بالفعل قواته من سوريا، بأمر من آية الله الخامنئي. ويأتي التصريح قبل أيام من سريان اتفاق وقف اطلاق النار الذي توصل اليه الروس والأمريكيون.
والجدير ذكره أنه أتى دون الاشارة إلى مصدر المعلومات. واكتفى كيري بالطلب إلى أعضاء الكونغرس قراءة تقرير خاص لأجهزة المخابرات الأمريكية. طبعا لم يفت كيري الاشارة خلال تصريحه إلى القلق الأكيد من ايران التي تساعد في تدفق السلاح إلى لبنان عبر الأراضي السورية.
ولكن بقي الكثير من الأمور التي نسيها كيري أو فاته ذكرها، وهنا نجد من الجيد الاشارة إليها حيث أن اتفاق وقف اطلاق النار أتى مشروطا بأن يتعهد الغرب والدول الأقليمية المؤثرة أن توقف دعمها للحركات الارهابية التي نسي كيري الاشارة اليها. مما يعني أن خرق شروط الهدنة يعني اسقاطها والعودة إلى المربع الأول. فعلى سبيل المثال لو أرادت الأطراف الاقليمية الداعمة للجماعات المسلحة استغلال فرصة وقف اطلاق النار (الروسي تحديدا) والقيام بامداد المسلحين بالسلاح واعادة تنظيم صفوفهم فان الروس في حل من أمرهم من الهدنة.
الاتفاق إستثنى تنظيم داعش وجبهة النصرة الارهابيين من وقف النار. وأكد على مكافحة الارهاب أثناء تنفيذ الاتفاق أيضا وهذا ما نسي ذكره كيري أيضا. مما يعني أن المناطق التي يسيطر عليها هذان الطرفان ستبقى تتعرض للقصف وعمليات التحرير والتطهير. وهذان الطرفان كما يعلم كيري والأمريكيون ومن معهم من الحلفاء الإقليميين يسيطرون على الغالبية العظمى من الأراضي السورية التي تقع خارج سلطة الحكومة السورية الشرعية. مما يعني أن هذه المناطق الواسعة خارج اتفاق الهدنة.
اضافة إلى ذلك فقد أكد كيري خلال حديثه أن خيار تقسيم سوريا لا يزال مطروحا على الطاولة في اشارة واضحة إلى النية الخبيثة التي لا زال الأمريكيون يبيتونها هذا من جهة. ومن جهة أخرى فان الجيد في ما قاله كيري والذي يفهم من حديث التقسيم هو أنهم أفلسوا من خيار إسقاط حكم الرئيس السوري "بشار الأسد" بالكامل وأصبحوا يفكرون بتقسيم سوريا إلى دويلات يحكم إحداها الأسد نفسه.
وبعد هذا العرض يتبين وبشكل لا يقبل الشك أن هدف كيري من هذه التصريحات انما لا يتعدى المحاولات اليائسة لشد عضد الجماعات الارهابية المسلحة التي تقاتل على الأراضي السورية. من خلال اشعارهم بمقدار من الأمان من خلال الكلام عن رحيل قوات الحرس الثوري في سوريا. والحديث عن التقسيم انما ليبث الأمل المفقود في نفوسهم بتحقيق انجاز ما من خلال السيطرة على مناطق ولو صغيرة واخضاعها لحكمهم، ولكن هذا الموضوع أيضا أصبح بعيد المنال خاصة بعد التطورات الميدانية الأخيرة التي تمكن الجيش السوري مدعوما من اللجان الشعبية ومستشاري الحرس الثوري وحزب الله من تحقيقها. وكما أشرنا سابقا فان الغالبية العظمى من الأراضي التي تقع خارج سلطة الحكومة السورية خاضعة لسيطرة داعش والنصرة، اذاً لا مجال للتفاوض حول حكم خاص بهذه المناطق مطلقا.
وقد يكون كيري أراد بهذه التصريحات إيقاع الخوف في قلوب الجيش السوري والنظام من خلال هذه التصريحات التي لا تمت الى الحقيقة بصلة. ولكن وجود قوات الحرس الثوري في الميدان جنبا إلى جنب مع الجيش السوري والأطراف الأخرى كافٍ لافشال كيري فيما يصبو اليه. وقد أصبح واضحا لدى السوريين شعبا وجيشا وحكومة أن من وقف معهم في أحلك الظروف وقدم الدماء إضافة إلى الدعم والاستشارات العسكرية لن يتركهم اليوم بعد أن أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من النصر الحتمي واعادة كافة أرجاء الأراضي السورية إلى حضن الوطن.