الوقت- مرّة آخرى برهن الشعب الإيراني تلاحمه مع النظام الإسلامي من خلال مشاركة واسعة في إنتخابات مجلسي الخبراء والشورى. الملحمة الإنتخابية حملت رسائل في إتجاهات عدّة يمكن تلخيصها بوقوف الإيرانيين إلى جانب الثورة و النظام القائم والحكومة.
لا يختلف إثنان على أهمية الإنتخابات الحالية لناحية تحديد مستقبل إيران خاصة أن أي مشاركة ضعيفة ستشكّل فتحة من الأمل في نفوس كافّة الطامعين و نظام الهیمنة العالمیة أما المشاركة الواسعة فتعزّز من قدرة طهران على لعب دورها الإقليمي والعالمي بثقة أكبر من السابق.
اليوم، وبعد 37 عاماً على إنتصار الثورة الإسلامية، كانت أنظار العالم منشدّة إلى إيران، سيّما أن التقارير الغربية التي تحدّثت عن إبتعاد الشعب عن تلك المبادئ التي رسّخها الإمام الخميني(ره) ويشرف عليها اليوم قائد الثورة سماحة السید "آية الله خامنئي" قد زادت في الفترة الأخيرة، وتحديداً قبيل الإنتخابات بأشهر قليلة، إلا أن الملحمة التي جسّدها الشعب الإيراني عبر مشاركته الفاعلة في الانتخابات فقأت أعين الغربيين وفي مقدّمتهم الإدارة الأمريكية.
في الشكل، أبهرت مشاركة الشعب الإيراني الواسعة في الإنتخابات الجميع حيث كان معدّل الإنتظار في صف الإدلاء بالأصوات ساعتين أو أكثر رغم وجود حوالي 52 الف دائرة انتخابیة تضم حوالي 120 الف صندوق، كما أنه تمّ تمديد فترة الإقتراع أكثر من مرّة في كافّة المحافظات لاسيّما العاصمة طهران التي بقي أبنائها حتى منتصف الليل (11:45) يقترعون. لم يكن الشباب الإيراني غائباً عن صناديق الإقتراع، بل حصد نسبة عالية من المشاركة التي عزّزة منعة النظام و زادت من فتوّته، ما يؤكد نظرية توارث الفكر الثوري عبر إنتقال فكر وروحية الثورة من الأباء إلى الأبناء الذين لم يبصروا النور إلا بعد وفاة الإمام الخميني(ره).
في المضمون، وبعيداً عن التركيبة المنبثقة من أصوات الشعب في مجلسي خبراء القيادة والشورى الاسلامي، بعيداً عن الأشخاص الـ378 من أصل 5000 الذين وصلوا إلى مقاعد الخبراء والشورى، وبعيداً عن نسبة المشاركة التي ناهزت الـ60 بالمائة، حملت الإنتخابات العاشرة لمجلس الشورى والخامسة لمجلس خبراء القيادة رسائل تكتيكية وإستراتيجية عدّة، يمكن تلخيصها بالتالي:
أولاً: لقد برهن الشعب الايراني ومن خلال حضوره الواسع في الانتخابات للعالم أنه يلتف حول النظام الاسلامي، ولا ريب في أن هذا الامر يخدم الاستقرار الامني للبلاد في ظل الأزمات التي تعصف بالدول المجاورة.
ثانياً: أثبت الشعب الایراني وعيه وحيويته المدهشة والمغيظة للأعداء. لقد قطعت هذه المشاركة الملحمية الطريق على كافّة المتربصين في الجمهورية الإسلامية خاصةً أن وسائل الإعلام الغربية، لاسيّما الناطقة بالفارسية، شنّت في الآونة الأخيرة حرباً ناعمة لم تشهد لها البلاد مثيلاً.
ثالثاً: تعدّ هذه الإنتخابات تفويضاً رسميّاً لطهران في حماية حقوق شعبها، النووية منها وغيرها. بعبارة آخرى، تفرض هذه الصفحة الذهبية في تاريخ إيران على دول العالم التعاطي بلغة الإحترام والمساواة، لأن هذا الحدث المصيري زاد من إقتدار النظام الإسلامي، داخلياً وخارجياً.
رابعاً: لقد مثّلت المشاركة الشعبية الواسعة في الإنتخابات صفعة قوية لاعداء الثورة سيما امريكا والكيان الإسرائيلي. "ان الانتخابات أشبه بسهم ذي ثلاث شعب يحمل لاءات ثلاثة الى بريطانيا واميركا والكيان الصهيوني"، وفق ما وصف رئيس مجلس صيانة الدستور آية الله "جنتي".
خامساً: لا يمكن التغافل عن كون هذه المشاركة الواسعة تعطي هامشاً أكبر للمؤسسات الإيرانية بكافّة أطيافها بدءاً من الرئاسة والحكومة مروراً بالخبراء والبرلمان وصولاً إلى الجيش والحرس الثوري لأداء دورها الداخلي والإقليمي والدولي غير آبهة بكافّة التهديدات التي يطلقها الأعداء في الخارج.
لقد أثبت الشعب الإيراني من جديد ثقته بالمسؤولين الإيرانيين الذين شدّدوا خلال النهار الانتخابي الطويل على أهمية هذه العملية الانتخابية، الامر الذي أكّده قائد الثورة في تصريح مقتضب بعد الإدلاء بصوته في صندوق "110" في العاصمة طهران قائلاً: إن "على الجميع، وكل من يحرص على إيران ويحب الجمهورية الإسلامية، ويحرص على عظمتها وعزتها وشموخها الوطني، أن يشارك في الانتخابات التي لا بد أن تدخل اليأس في قلوب الأعداء".
"وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (التوبة 120)"، بهذه الآية الكريمة يستدل الشعب الإيراني المسلم على وجوب المشاركة في كافّة "المواطئ" التي تعزّز من صلابة وإقتدار النظام الإسلامي وتساهم في غيظ ويأس الأعداء والمتربصين، وفي مقدّمتها الإنتخابات.