الوقت- تعيش تركيا، أزمةً جديدة لكن من نوعٍ آخر وعلى الصعيد السياسي والدبلوماسي. فبعد الفضائح الكبيرة والتي لحقت بأردوغان وطبقته الحاكمة، لا سيما تجارة النفط مع داعش، تصدرت الصحف فضيحة جديدة، تتصل مباشرة بنجل الرئيس التركي "بلال أردوغان" حول قضية غسيل أموال. وهو الأمر الذي طرح العديد من الإستفهامات، لا سيما بعد أن تبيَّن وجود تسهيلاتٍ دبلوماسية من حكومة أنقرة، ساهمت في عملية تبييض الأموال تلك. فماذا في الفضيحة الجديدة؟ وما هي أسبابها الحقيقية؟
أبرزت صحيفة الإندبندنت البريطانية، يوم الخميس، التحقيقات التي بدأتها النيابة العامة في مدينة بولونيا الإيطالية، حول اتهام "بلال أردوغان" 35 عاماً، نجل الرئيس التركي، "رجب طيب أردوغان"، والتي قالت فيها إنه أدخل أموالاً لإيطاليا في أيلول الماضي لإعادة تدويرها في شركات لغسيل (تبييض) الأموال. وأضاف الموقع البريطاني، أن الإيطالية "مانويلا كافالو"، تحقق في مزاعم تتعلق بفضيحة فساد سياسي في حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، في الوقت الذي قال فيه "بلال أردوغان" إنه في إيطاليا مع زوجته وأولاده بحجة استئناف دراسته للدكتوراه في حرم بولونيا من جامعة "جونزهوبكنز" الأمريكية، والذي بدأ فيها عام 2007. يذكر أن "بلال أردوغان" انتقل مع زوجته وأبنائه إلي بولونيا الواقعة في منطقة إيميليا بإيطاليا في شهر تشرين الأول الماضي، بإستخدام تأشيرة دخول لمدة عامين لإستكمال دراسته الأكاديمية لإتمام رسالة الدكتوراه، غير أن المشرف على رسالته أشار أنذاك أن الأمر لا يستدعِ إقامته في إيطاليا من أجل الدراسة.
وهنا، فإنها لم تكن المرة الأولى التي يظهر فيها إسم نجل "أردوغان" في مثل تلك الفضائح. ففي عام 2013 ظهر اسمه في فضيحة فساد واسعة النطاق ضربت سمعة حزب العدالة والتنمية حينها الى جانب عددٍ من كبار المسؤولين في الحكومة التركية. حينها أمر الإدعاء التركي آنذاك، باعتقال 52 شخصاً في أيلول عام 2013 ووجهت الإتهام إلى 14 شخصاً، من بينهم عدد من أفراد أسر تابعة لوزراء في الحكومة، بسبب الرشوة والفساد والإحتيال وغسل الأموال وتهريب الذهب، وكان من بينهم "بلال أردوغان" لكن كل تلك القضايا أُقفلت.
أما في القضية الجديدة هذا الأسبوع، فقد وصل بلاغ إلى المدعي العام، في مدينة بولونيا، قدّمه رجل الأعمال التركي في المنفى، "مراد هكان اوزان"، أفاد فيه بأن نجل الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" توجه إلى إيطاليا في أيلول المنصرم، مع مبلغ كبير من المال كجزء من "عملية تهريب أموال". وفي تفاصيل الدعوى، فقد أشار "اوزان" الى أن "بلال" هرب الى إيطاليا ومعه مبالغ كبيرة من المال وفريقاً من الحراس الشخصيين المسلحين الذين لم يُسمح لهم بدخول ايطاليا في البداية. ولهذا السبب منحت أنقرة هؤلاء الأشخاص جوازات سفر دبلوماسية تركية، بحيث صار الحرس الشخصي لبلال أردوغان الآن يعد من بين الطاقم الدبلوماسي التركي في إيطاليا، وفق ما أشارت له الصحيفة الإيطالية "كوريير دي لاسيرا".
وهنا فإن عدداً من الأسباب تكمن وراء هذه الفضائح، والتي يمكن ذكرها بالتالي:
- يعود السبب الرئيسي خلف كل الفضائح، للواقع الهش الذي رسَّخه "أردوغان"، لا سيما على صعيد بناء حاشيته وتوظيف محسوبياتٍ، جعلت المسؤولين يغضون النظر عن تعييناتٍ تخصُّ أقاربه. وهو الأمر الذي سينطبق حتماً على نجله. فقد ذكرت وكالة جيهان التركية، معلوماتٍ شغلت الرأي العام التركي، فضحت فيها كيفية تغلغل الحكومة وأقارب أعضائها في مؤسسات الدولة من خلال تقديم قائمة من الأسماء للرأي العام تتضمن 85 شخصاً. وكان من هؤلاء "أوميت سرجان" الحاصل على دبلوم ثانوي وهو إبن شقيقة أردوغان، والذي تم تعيينه موظفاً في المبيعات في رئاسة التسويق والمبيعات للخطوط الجوية في المنطقة الثانية في لندن. كما تم تعيين "مراد جور" ابن شقيق "محمد جور" الذي قام بتشييد فيلات "أردوغان" الموجودة في منطقة أوسكودار بإسطنبول، ليتولى منصب المدير العام للشركة في مدينة دوسلدورف. بالإضافة الى "جنان جانيكلي"، زوجة ابن "نور الدين جانيكلي" وزير الجمارك والتجارة، تعمل مفتشة في الخطوط الجوية، وأيضاً "سادات شكرجي" الذي يعمل بوصفه رئيس التدريب على الطيران في الهيئة هو إبن شقيقة "عبد الله جول" رئيس الجمهورية السابق. كما يعمل "سليم دميراى" إبن شقيقة رئيس الوزراء التركى "أحمد داود أوغلو" مفتشاً في مجلس التفتيش بالخطوط الجوية، و "مروة دميراي" إبنة شقيقة "داود أوغلو" في كادر الخبراء بالهيئة.
- وفي سببٍ يتصل بالأول، فإن الصحافة التركية أشارت مراراً الى أن التحقيقات في كل قضايا الفساد، وخصوصاً تلك التي ترتبط بمقربين أو أعضاء من حزب العدالة والتنمية، وتحديداً من العامين 2013/2014، كان يتم إقفالها. كما أنه تتم ملاحقة أو معاقبة كل من يتحدث بالأمر، خصوصاً إذا انتمى للمعارضة. وهو ما تثبته صراعات فترة 2013/2014 والتي شهدت فضيحة فساد كبيرة، إتُّهم فيها وزراء الى جانب نجل الرئيس التركي "بلال أردوغان"، بالرشوة وإساءة استخدام النفوذ. لكن كل التحقيقات التي فتحت في تركيا تم حفظها.
إذن ليست تلك الفضيحة الأولى. لكن هذه الفضيحة جاءت من الخارج الأوروبي. حيث أنه ومع كل فضيحة، كان يعمل النظام الحاكم في تركيا على أنها حملة من المعارضين للحكم. فيما يبدو اليوم أن المسألة لم تعد في يد "أردوغان"، والذي كان يواجه كل الفضائح بالقمع وإقفال التحقيقات. فيما يتساءل الكثيرون، عن الوضع الذي تعيشه تركيا اليوم، فمن السياسات الخارجية الخاصة بأردوغان وحزبه، والتي لم تجلب إلا المشاكل لتركيا، الى الفضائح التي تخص عائلته وحاشيته. لتُصبح السلطة السياسية في تركيا، أمام مساءلاتٍ عديدة، من فضائح تجارة النفط مع داعش الى تبيض الأموال.