الوقت- حدثینا یا کربلاء، عن ملایین زحفت الیک بعشق الحسین (علیه السلام)، و اي عشق هذا الذي یحملهم علی المسیر، و کیف یزول تعب مسیر مئات الکیلومترات مع اول سلام . حدثینا کیف یبقی العشق بعد الاف السنین، وکیف یبقی العاشق یعد الایام للوصال. فما السر فیکي یا کربلاء؟؟
نعم انها أیام المسیر إلی کربلاء الحسین علیه السلام ،ایام تغیر کل النفوس، فتری الرجال واقفین لخدمة الزائرین . الناس کلهم في أمان هنا، تسیر المراة من البصرة إلی کربلاء دون ان تجد من یقف في طریقها او ینال من وقارها. على الطريق الصحراوي، ينصب العراقيون "مضافات"، تهدي الزوار الماء و"القيمة" (طبق عراقي تقليدي) والشاي والعصير... الطعام والشراب و الدواء هنا بالمجان و من أراد شیئا فلیأخذه " علی حب الحسین". یمر الرجل علی أهل بیت فلا یخرج من ضیافتهم إلا بشق الأنفس. هنا رجل یقطع الطریق یتصید الماره، لیس سالبا او قاطع طریق، بل داعیا للمبیت عنده، لتاکل من طعامه او تشرب من شرابه او یقوم بخدمتک. تفتح البیوت أبوابها للزائرین. صاحب الدار أخلاها من عیاله، وجهزها للزائرین. لا احد یعبأ بما حوله فمال الدنیا رخیص في قبال ما یصبون الیه. هنا المریض یتلوی و یتحامل علی نفسه في طریقه إلی الشفاء،فالمشفی حب الحسین علیه السلام. السير إلى كربلاء تلبیة لنداء "هل من ناصر ینصرنا". في هذا الیوم، تتصل النجف بكربلاء، بخطّ بشري واحد. فیصل عدد الزوّار إلى 18 مليونا علی اقل تقدیر .
تنطلق المسیرة الحسینیة من مختلف مدن العراق الی کربلاء، في اطول مسیرة شیعیة علی وجه البسیطة. ولا ضیر في القول انها اکبر و اضخم مسیرة راجلة بالعالم. فمن النجف تنطلق الجموع لطي مسافة 80 کلم للقاء الحسین (ع). ومن البصرة تشهد مسافة ال 450 کلم علی عشق ازلي لا تمحوه تهدیدات ارهابیة. ومن بغداد وسامراء و غیرها سیل بشري ینادیه عشق الحسین.
لقد بدت زيارة الاربعين بجموعاتها الهائلة وكأنها بحر بشري نابض، وقد بينت بعض الصور الملتقطة من أعالي الفضاء بواسطة الطائرات، جموع الزائرين الزاحفين مشيا على الاقدام، الى مرقد ابي عبدالله عليه السلام، مدى عمق الترابط المجتمعي بين مكونات الشعب، حتى بدت طرق سير الزائرين وكأنها شرايين تنتشر في جسد العراق بأجمعه، وهي صورة مدهشة لوحدة الشعب، حيث القلب ينبض في كربلاء المقدسة.
وکما في کل عام، غمرت الشوارع هذا العام اعداد من الزوار، و لکن في هذه السنة، وفي خصوص زیارة قبر سید الشهداء الامام الحسین علیه السلام ، أهمیة قد تضاعفت وأخذت طابعا ممیزا، فالزیارة هذا العام مصیریة. والتهدیدات کبری و الاوضاع الامنیة لیست ممیزة لمثل هذه القوافل. فالمعلومات المتوافرة تدل على نية الإرهابيين استهداف كربلاء وزوارها خلال هذه المناسبة ولكنهم لن ينجحوا في تحقيق نواياهم الإجرامية، فالاجراءات العراقیة هذه السنة مضاعفة، کما اشار رئیس مجلس الوزراء العراقي.
تاتي زيارة أربعين الامام الحسين عليه السلام المليونية لتضع أمام الناس جميعا خيارا كبيرا ومهما لترسيخ الوحدة وتعميق الروابط بين ابناء الدین الواحد، إذ أن الزائرين قدموا من بلاد کثیرة، ملایین الزوار العرب والاجانب، یجمعهم هدف واحد هو احياء الشعائر الحسينية.
تبقى زیارة الاربعین عامل لتوحيد المجتمع الاسلامي، وهي دافع مهم لجميع المسۆولين على مختلف مسۆولياتهم وعناوينهم، كي يقوموا بما يتوجّب عليهم على أفضل وجه وأسرع وقت ممكن، لكي تبقى هذه الزيارة مناسبة فعلية دائمة، لتوحيد الرأي و الكلمة و العمل، و لتعميق روابط المحبة و التآلف بين مكونات الشعب الواحد.
ما يميز مسيرة الاربعين هذا العام هو بلوغ عدد الزائرين اكثر من 20 مليونا، من حوالي 50 بلدا عالمیا، رغم کل التهدیدات التي اطلقت من الارهابیین، فمن ایران انطلق حوالي 1.3 ملیون زائر، من مختلف المدن الایرانیة، و عشرات الالاف من لبنان و سوریا رغم الازمات المحیطة بهم ،شدوا رحالهم لمواساة اخوانهم والمشارکة فی المسیرات. بالاضافة الی الاجراءات الامنية الدقیقة لحماية الزوار، حيث یشارك اكثر من 25 الف جندي لحماية المسيرات والمواكب في كربلاء، اضافة الى الاف الجنود المنتشرين على طول مئات الكيلومترات من الطرق المۆدية الى كربلاء من مختلف نقاط العراق. ولابد هنا من استذكار الجهود الاستثنائية، والكبيرة التي بذلها المعنيون في كربلاء المقدسة بكل عناوينهم ومسمياتهم وانتماءاتهم، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، فالجميع کخلايا النحل المتكاملة تقدم كل ما يمكنها للزوار الكرام.
هذه هي زیارة الاربعین، تجسید للوحدة والمقاومة والصمود، حشود لبت نداء امامها و انطلقت من مسافات بعیدة لتؤکد ان الشعائر الحسینیة لن یمحوها ارهاب ولن یطفئها حقد. مواکب حملت في قلبها عقیدة واحدة لکل ارهابي و کل متغطرس لتقول له " کد کیدک واسعی سعیک وناصب جهدک ، فوالله لن تمحو ذکرنا و لن تمیت وحینا، فما جمعک الا بدد و لا ایامک الا عدد و سیبقی النداء علی مر العصور و الایام لبیک یا حسین"...