الوقت - عندما تنشغل سوريا بهمومها الداخلية فهذا يعني الكثير من النتايج الإيجابية بالنسبة للكيان الإسرائيلي. حيث أن هذا الإنشغال يجعل دمشق غير قادرة علی تهديد الكيان الإسرائيلي او علی الاقل فانها في مثل هذه الحالة تكون عاجزة عن تعزيز قدراتها لإستعادة أرض الجولان المحتلة من قبل الكيان الإسرائيلي. إضافة الی ذلك فعندما ينعدم الأمن في سوريا بسبب ممارسات الجماعات الإرهابية، فهذه القضية ستجعل سوريا منهمكة بالعمل علی محاربة الإرهاب، دون أن تجد متنفسا لدعم المقاومة اللبنانية او الفلسطينية. محاربة سوريا للارهاب خلال مايقارب الـ5 أعوام الماضية، تسببت في استنزاف الكثير من الطاقات العسكرية والإقتصادية السورية، ودمرت معظم البنية التحتیة في البلاد، ناهيك عن خسائر سوريا البشرية التي تجاوزت مئات الآلاف من القتلی. وبالاضافة الی سوريا فان حلفائها وفي مقدمتهم إيران وحزب الله أيضا، انشغلوا الی حد كبير بدعم حليفتهم سوريا الجريحة لمواجهة خطر الإرهاب. جميع هذه الامور تعتبر مكسبا ثمينا للكيان الإسرائيلي لتعزيز قدراته العسكرية ومواصلة خططه الإستيطانية في الضفة الغربية والاستمرار بحصاره ضد سكان قطاع غزة.
إذن ونظرا لهذه المكتسبات الإستراتيجية بالنسبة للإسرائيليين، فانه بات من الواضح جدا، لماذا لاتريد تل أبيب إنتهاء الأزمة في سوريا وهي فرحة باستنزاف سوريا، وتسعی جاهدة وبكل قدراتها لدعم الجماعات الإرهابية بجميع ما يلزمها من سلاح ومعلومات استخبارية وكافة الدعم الإستراتيجي. لكن هذا هو قدر الله ومشيئته علی الدوام، أن من صبر وقاوم فانه منتصر في نهاية المطاف لا محال. وهذا ما نراه يتحقق في هذه الايام في سوريا. إنتصارات متلاحقة ومتتالية علی الجماعات الإرهابية من الشمال السوري وبالتحديد في حلب وصولا الی داريا والسويداء في جنوب البلاد. هذه الإنتصارات والتي كان فك الحصار عن نبل والزهراء خلال الايام الماضية ضمن آخر حلقاتها، باتت تقلق الإسرائيليين وتزعجهم كثيرا، مما حدا بوزير الطاقة والبنی التحتیة الإسرائيلي "يوفال شطاينتس" أن يبدي تخوف كيانه علنا من تقدم الجيش السوري وحلفائه في ريف حلب، معتبرا أن "ما يحدث في سوريا يعتبر عملية خطيرة من شأنها أن تؤثر علی اسرائيل بشكل اخطر من الانفاق في غزة او ما يحدث حالیا في لبنان".
بالطبع فان سوريا ستتعافی من جراحها مادام لها شعب صامد وحلفاء أوفياء لم يتركوها لحظة واحدة طيلة عمر أزمتها، وبالرغم من جميع الخسائر التي منيت بسوريا وحلفائها، فان محاربة الإرهاب، جعلت من جنود سوريا وحلفائها، مقاتلين شرسين وأشداء يمتلكون خبرات قتالیة لايمكن تقييمها بأي ثمن. ودون أي شك فان سوريا وحزب الله سيستفيدون كثيرا من التجارب التي اكتسبوها في قتالهم ضد الإرهاب، في معاركهم القادمة مع الكيان الإسرائيلي، خاصة أن حزب الله ألمح بان المعركة القادمة مع الإسرائيليين لم تعد دفاعية، بل إنها ستشمل دخول قوات حزب الله الی الجليل ومن المحتمل مناطق اخری داخل الأراضي المحتلة ايضا. حزب الله والقوات السورية أيضا لم تكن لديهما الخبرات القتالیة العالیة قبل الأزمة السورية في حروب العصابات. لكن هذه التجربة القيمة واللازمة للمستقبل قد تحققت لدی حزب الله والقوات السورية من خلال محاربة المجموعات الإرهابية في مختلف مناطق سوريا.
وبالرغم من جميع المتاعب التي تسببت بها الأزمة السورية لسوريا وحزب الله، إلا أنها كانت مصدر قوة وكما أشرنا آنفا لدمشق وحزب الله. فوصول كميات كبيرة من الصواريخ المتطورة والدقيقة لحزب الله، دون أن نعرف شيئاً عن نوعيتها وكمياتها ومداها، قادمة من سوريا بعد بدء الأزمة، يعتبر أمراً سارّاً بالنسبة لحزب الله وشعوب المنطقة. هذه الصواريخ كان من الصعب أن تصل لحزب الله من سوريا قبل الأزمة بسبب الضغوطات التي كانت تمارس علی دمشق من قبل بعض القوی العالمية، لكن الأمر تحقق بعد الفلتان الأمني الذي حدث في بعض المناطق السورية خلال الأعوام الماضية. إذن من الوارد جدا أننا سنری تدمير المزيد من المستوطنات والبنية التحتیة وقتل المزيد من القوات الإسرائيلية من خلال استخدام الأسلحة والصواريخ الحديثة التي وصلت لحزب الله عبر سوريا، خلال أي صراع يندلع في المستقبل بين حزب الله والكيان الإسرائيلي.
إضافة الی ذلك فقد بات الحرس الثوري الإيراني أكثر معرفة وتخطيطا لاستهداف الكيان الإسرائيلي بشكل مباشر عبر قواته أو عبر قوات الحلفاء في سوريا، من خلال تواجده خلال الاعوام الخمسة الماضية في هذا البلد وحضوره في المناطق القريبة من الجولان. هذا أيضا أحد المكاسب الإستراتيجية التي تحققت بعد الأزمة السورية، وبات تواجد الحرس الثوري في إيران يمثل كابوسا مزعجا للقيادات العسكرية الإسرائيلية، كما صرح بذلك قبل أيام "يوفال شطاينتس".
وبالاضافة الی إيران وحزب الله، روسيا أيضا عززت دعمها لحليفتها سوريا، بعد الأزمة التي شهدتها البلاد، مما أدی هذا التعاون العسكري والأمني الضخم بين موسكو ودمشق والذي تسبب في سحق المجموعات الإرهابية وقطع معظم الدعم الذي كانت تتلقاه من تركيا، ادی الی قلق بالغ لدی الإسرائيليين. وفي هذا السياق تحدث موقع "دبكا فايل" بشكل واضح عن مخاوف القيادات العسكرية الإسرائيلية، بسبب الضربات الجوية الروسية التي تستهدف المجموعات الإرهابية في سوريا، خاصة في المناطق الجنوبية. ويضيف موقع دبكا في هذا الصدد، أن هذه الضربات الروسية من الممكن أن تؤدي الی تعبيد طريق القوات السورية وقوات حزب الله للاقتراب من الحدود الإسرائيلية والجولان، لبدء جبهة جديدة ضد تل أبیب في المستقبل.
إذن الكثير من الأحداث المتناقضة التي حدثت في سوريا بعد الأزمة ومن بينها تدمير البنية التحتیة السورية وتدمير أسلحتها الكيماوية والضعف الإقتصادي الذي أصاب البلاد، لا شك أنها مكتسبات تثلج قلوب الإسرائيليين، لكن في المقابل، فان القدرات والخبرات القتالیة التي إكتسبتها سوريا وحزب الله في حرب العصابات وكذلك كسب الجهوزية العالیة لفتح جبهة الجولان بعد إنتهاء الأزمة أو حتی قبل ذلك، وكذلك إقتراب الحرس الثوري الإيراني من حدود الأراضي المحتلة ووصول الصواريخ المتطورة الی حزب الله، جميعها امور تؤدي الی انزعاج الإسرائيليين وتجلب لهم شديد الحزن. نحن نتصور أن موسم الفرح الإسرائيلي سرعان ما سيزول، وأما الحزن الإسرائيلي فسيظل حاضرا في قلوب الإسرائيليين لأن إيران وسوريا وحزب الله، لا يمكن أن يهدأ لهم بال ما لم ينتقموا شر انتقام من الکيان الإسرائيلي.