الوقت: ويستمر مسلسل الإغتيالات في اليمن على وقع الأزمة السياسية والأمنية التي تتفاقم يوماً بعد يوم. حيث بات من الصعوبة بمكان رسم صورة واضحة عن طبيعة المشهد السياسي اليمني في المرحلة القادمة في ظلّ الأحداث المتسارعة وتعقيداتها وتأثيراتها على الوضع المحلي والإقليمي. وبعد دخول البلاد في نفق الإغتيالات السياسية، التي كان آخرها عملية اغتيال الأمين العام المساعد لحزب التجمع اليمني للإصلاح صادق منصور في محافظة تعز وقبله اغتيال السياسي المخضرم والمفكر الإعلامي الدكتور محمد عبد الملك المتوكل أحد أهم الشخصيات اليمنية المقرّبة من حركة أنصار الله في مسجد قبّة المتوكل قرب ميدان التحرير وسط صنعاء، تختلط الأوراق من جديد في المشهد اليمني في محاولة لتأجيج الصراع بين اليمنين وضرب مساعي التوافق بين المكونات السياسية لمنع تنفيذ إتفاقية السلم والشراكة الوطنية، والإنتقال بالبلاد الى مرحلة نبش الفتنة التي يسعى المتربصون باليمنين إشعالها وقطع اليد الممدودة من خلال الإغتيالات التي تطال الأفرقاء المتخاصمين.
ما هي الا أيام بين اغتيال الدكتور محمد عبد الملك المتوكل والقيادي صادق منصور فمن الذي يؤجج النار التي يحاول اليمنينون اطفاءها؟ ولماذا انتقل أعداء اليمن الى مرحلة الإغتيالات؟
للتذكير فإنّ جريمة اغتيال المتوكل حصلت في نفس اليوم الذي أُعلن فيه عن توافقٍ سياسي لتشكيل حكومة كفاءات يترأسها رئيس الوزراء خالد البحاح. وبعد الإغتيال بأسبوع أُعلن عن تشكيل الحكومة الجديدة التي کان من المتوقع أن يكون المتوكل أحد مرشحي حركة أنصار الله لتولي إحدى الحقائب الوزارية فيها. الجميع يعرف أنّ المتوكل ، كما حزب اتحاد القوى الشعبية، قد تقرّب من حركة أنصار الله كما عُرف بانتقاده اللاذع لجماعة الإخوان المسلمين المتمثلة في حزب التجمع الوطني للإصلاح، واتهامه باستخدام الاسلام السياسي لمصادرة حق الشعب اليمني في الحكم والتفرد بالسلطة. فمن الذي قتل المتوكل؟
يقول أحد أصدقاء المتوكل، الكاتب السياسي عادل السنهوري "من أطلق الرصاص على المتوكل في صنعاء هو نفسه الذي اغتال الناشط السياسي الاشتراكي جار الله عمر مؤسس أحزاب اللقاء المشترك المعارض عام 2002 بعد دقائق من إلقائه كلمة نارية هاجم فيها الفساد والحكم بالقوة. من يعرف الإجابة سيهتدي مباشرة إلى القاتل". وقد کشفت التحقيقات التي أُجريت مع القاتل الذي تم القبض عليه انه ينتسب إلى حزب الإصلاح نفسه، وکشف قبل إعدامه عن مخططٍ لحزب الإصلاح يهدف الى قتل مجموعة من السياسيين من قادة الناصريين والبعثيين.
وقد اتهم حزب الإصلاح تنظيم القاعدة بتنفيذ الاغتيال بعد إدانته الجريمة رسمياً، لكن الكاتب والباحث اليمني محمد جميح ينقض هذا الاتهام بقوله: "إن تنظيم القاعدة مخترق من قبل أطراف نافذة في القوى الأمنية والعسكرية داخل اليمن، وإذا كان تنظيم القاعدة هو من ارتكب عملية الاغتيال بهدف النيل من حلفاء الحوثيين وزعزعة الأمن في صنعاء مجدداً، فإن هناك من دفعوه للقيام بذلك".
وقد حملت حركة أنصار الله الأجهزة الأمنية الرسمية مسؤولية اغتيال المتوكل ووصفتها بأنها تثير الريبة.
ويأتي اغتيال القيادي في حزب الإصلاح ليذكرنا بالسيناريو الذي أصبح مكشوفاً من خلال ما يسمى بالإغتيال من الطرفين، وهذا دليل على أنّ الفاعل والمخطّط أصبح خالي الوفاض ويلعب الورقة الأصعب والأخطر وهي الفتنة والحرب الإهلية.
فاغتيال منصور أيضاً بعملية وصفتها مصادر أمنية بالنوعية والجديدة حيث تم إلصاق عبوة ناسفة على باب السائق من الخارج وانفجرت أثناء سيرها بجوار المسبح بمديرية القاهرة وسط المدينة. وأضاف المصدر الأمني أن التحريات والتحقيقات لا تزال في بداياتها الأولى ولا يمكن التكهن بمن يقف وراء الحادث أو استباق نتائج التحقيقات.
وقد أدانت حركة أنصار الله عملية إغتيال صادق منصور المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين واصفةً العملية بالعمل الإجرامي الذي يأتي في سياق عمل منظم لعرقلة مسار العملية السياسية وتنفيذ اتفاق السلم والشراكة الوطنية، ومحاولة خلط الأوراق وإرباك المشهد السياسي في البلد وإغراقه في أتون الفوضى والصراعات، ودعت كافة الأطراف السياسية في البلاد إلى استشعار المسؤولية، والسعي إلى تعزيز روابط الأخوة والتآلف، ووقف المناكفات الإعلامية والسياسية التي تستخدمها بعض القوى الخارجية كغطاء لتنفيذ جرائمها بحق أبناء شعبنا اليمني . فحركة أنصار الله تشير الى "طابور خامس" يدخل على خط التوتر في البلاد مستعيناً ببعض الأدوات في الداخل لتسعير الفتنة بين الشعب.
ولا تحبذ المصادر فكرة اتهام أشخاص محددين في السلطة اليمنية، لكنها تجزم بأن عناصر تدين بالولاء لجهات خارجية هي التي تتحمل مسؤولية الجريمة، وهؤلاء يجب إماطة اللثام عن وجوههم كي لا تعود الاغتيالات السياسية إلى مشهدٍ لا يعرف أحد الى أين يأخذ البلاد، أي مزيد من التشنج الذي تسعى إليه دول لا تريد لاتفاق السلم والشراكة أن يأخذ مجراه.
وقد أدانت سفارة أمريكا في صنعاء اغتيال صادق منصور وقالت في بيان لها إن الاغتيالات السياسية تغرس الخوف، وتزيد من حالة عدم الاستقرار، كما أنها لا تخدم مصالح اليمن ومصالح الشعب اليمني . لكن القاصي والداني يعرف بأنّ أمريكا داعمة الإرهاب وممولة الحروب في المنطقة لم تكن يوماً الى جانب الشعوب ومصالح أوطانها بل تسعى الى الهيمنة السياسة للسيطرة على خيرات هذه الشعوب، فكيف إذا كان الحال في اليمن حيث التغيرات والتبدلات التي ستؤدي الى تراجع النفوذ الامريكي وأدواته في المنطقة؟
ومن ناحيةٍ أخرى فإنّ الموقف الذي يتخذه الرئيس السابق علي عبد الله صالح فإنه أيضاً يخلط أوراق المشهد السياسي خاصة ولغز تحالفات الرئيس اليمني السابق يطرح سؤالاً يضعه بين ان يكون حليفاً لمن حاربهم أم لمن خانوه؟
فبعد ادعائه اكتشاف نفق تحت منزله ضمن مخطط لاغتياله وفي تصريح أدلى به أثناء استقباله وفوداً من مناصريه ومؤيديه ، قال صالح حرفياً: "إن تلك الأطراف الفاشلة ترمي غيرها بما ترتكبه هي، عملاً بالمثل القائل "رمتني بدائها وانْسلّت"، وهي نفسها التي تقدم للجهات الأجنبية المرتبطة بها المعلومات المضللة بدون وجود أي أدلة أو براهين موثوق فيها. إن ضعفاء النفوس الجبناء يقولون إن علي عبد الله صالح يقف مع الحوثي، لقد تقاتلنا معه في ست حروب، أما أحزاب اللقاء المشترك فقد تضامنوا معه لإسقاطي، والآن يقولون لعلي عبد الله صالح أن يخرج الحوثي من صنعاء، ويشتكون عند سفراء الدول العشر بأن علي عبد الله صالح إذا كان صادقاً فليُخرِج الحوثي، بينما الجيش والأمن والمال بأيديهم وليس بيدي أنا".
ولا يتردد كل المقربين من الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي باتهام سلفه صالح بالتحالف من تحت الطاولة مع حركة أنصار الله لقلب الطاولة نفسها على السلطة التي ورثت حكمه بعد ثورة التغييرالسلمي ضده، والتي انطلقت قبل نحو أربع سنوات، وكان الحوثيون جزءاً من مكوناتها.
فمنذ "ثورة التغيير السلمية" في شباط 2011 والمشهدان الكبيران اللذان حدثا، والمتمثلان أولاً بالمسيرة التضامنية مع غزة والتي نظمتها حكومة أنصار الله وشارك فيها نحو مئتي ألف متظاهر جابوا شوارع العاصمة تحت رايات الصرخة الحوثية: "الله أكبر - الموت لأمريكا - الموت لإسرائيل - اللعنة على اليهود - النصر للإسلام". وثانياً بمسيرة يوم القدس العالمي التي ظلّت تجوب العاصمة لحين انتهاء خطبة الظهور العلني للسيد عبد الملك في صعدة.
فالهتافات التي انصبّت على أميركا وإسرائيل ملأ صداها كل صنعاء وكانت الرسالة للقريب قبل البعيد حيث أعلن المتظاهرون بالفم الملآن أن الحوثيين ليسوا خارج العاصمة التي لوّحت عواصم قرار عربية وعلى رأسها الرياض بالويل والثبور وعظائم الأمور إن حاولت حركة أنصار الله دخولها بعد واقعة عمران وطرد حزب الإصلاح ورموز آل الأحمر منها. فلم يعد خافياً من الذي يلعب بالنار في اليمن!
فصورة اليمن تغيّرت ولم تعد أُلعوبةً بيد الرياض وأدواتها، ولكن الشعب قال كلمته بأن لا رجعة عن تحقيق العدالة. فسيسعى الخاسر لتعويض خسارته ولو على دماء اليمنين. فعلى الشعب اليمني أن يكون حذراً من أن يساعد على إشعال نار الفتنة بل عليه العمل على إخمادها من خلال العودة والإسراع في تنفيذ اتفاق السلم والشراكة الوطنية.