شهدت الأسابيع الأخيرة الماضية موجة سعودية عنيفة أقوى مما مضى بوجه ايران تمثلت بمجموعة من الإتهامات التي تتمحور حول أن الأخيرة هي من تقف وراء زعزعة المنطقة، الجدير ذكره أن سلسلة الإتهامات المتصاعدة تلك تترافق مع اخفاق السعودية في الكثير من ملفات تدخلها في المنطقة سواء اليمن أو سوريا فالعراق وغيرها، وهي تتزامن بالتحديد مع توقيع الإتفاق بين ايران والسداسية الدولية وذهاب الأمور مؤخراً إلى مزيد من التعاون على كافة الصعد بين ايران والعالم، وانفتاح الحركة الإقتصادية والشركاتية الإستثمارية نحو مزيد من التعاون مع ايران إلى شبه رغبة دولية لمعالجة بعض الملفات العالقة في منطقة الشرق الاوسط، وعليه تتجه التحليلات إلى الرابط بين مجريات الأحداث الأخيرة والتصعيد في وتيرة الإتهامات بوجه ايران، في هذا المقال سنحاول الإشارة إلى بعض الفوارق والمقايسات بين ايران والسعودية في الأداء وبالتالي الإشارة من خلال هذه المقايسة إلى من يقف خلف اذكاء الأزمات وتوتير المنطقة.
أولاً: بعد انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية وبعد أن شن العالم الغربي حرباً على ايران استمرت لثماني سنوات بالوكالة مستفيدين من نظام صدام حسين وبدعم بعض الأنظمة التي يرعاها الغرب الإستعماري كعائلة آل سعود الحاكمة، فإن خروج ايران من هذه الحرب منتصرة وبدلا من الذهاب إلى سياسة العدائية والإنتقام توجهت بدبلوماسيتها إلى الإنفتاح على المحيط، وكانت دعوتها لتعزيز الوحدة الإسلامية والألفة العربية هو الخطاب والمسلك الحاضر، في المقابل فكان الخطاب السعودي قائماً على شعار أن ايران تشكل سياسة عدوانية حيال الدول الخليجية، والهدف كان من هذا الشعار إثارة حماسة الدول الخليجية خصوصاً والعربية والإسلامية عموماً، واستجابة للشروط الأمريكية التي كانت تطلب من النظام السعودي لعب هذا الدور الذي من شأنه أن يجعل من روح التفكك والعداوة المنطق السائد.
ثانياً: الإتهامات السعودية لإيران أنها تتدخل في بلدان الجوار، فيما الوقائع التي ليست خافية على أحد تظهر أن النظام السعودي انتهك سيادة وحق الشعب البحريني في تقرير المصير، ودخل أراضيه وقمع مطالبه واحتجاجاته، وشن عدواناً على الجيش اليمني وشعبه لا زال مستمراً منذ 9 أشهر، استباح فيها كل المواثيق الدولية وحقوق الإنسان، ودعم مشاريع الإرهاب الخارجية في العراق وسوريا، أما ايران فأصبحت صديقة الشعوب تشارك تطلعاتهم وتدعم خياراتهم، وهي دعمت ولا زالت القضية الفلسطينية وشعبها، ووقفت إلى جانب الشعب اللبناني داعمةً خياره في دحر المحتل الإسرائيلي، ومكّنت القوى الشعبية والحكومية العراقية من التصدي والوقوف بوجه جماعات الفكر التدميري الغربي، وهي في اليمن مدت يد المساعدة الإنسانية وتحركت نحو خيار فك الحصار عن الشعب اليمني لإيصال المعونات الغذائية والطبية والإحتياجات الأساسية فيه.
ثالثاً: خطابات الجمعة الإيرانية والإعلام الإيراني المتعلق بالسياسة الخارجية كله يصب في أطر دعم وتعزيز الوحدة الإسلامية وجعل القدس مركزاً للإنطلاق المشترك من خلال إعلان يوم القدس العالمي، وأسبوع الوحدة الإسلامية في أجواء ولادة رسول البشرية، كما والتركيز على أن العدو المشترك الأول والأخير في المنطقة هو الكيان الإسرائيلي وقوى الغرب الحامية له. فيما وسائل الإعلام المدعومة من النظام السعودي الحاكم وبتنسيق استخباراتي غربي توجه الأمور إلى حرف أنظار الشعوب العربية والإسلامية عن قضية فلسطين وإختلاق مشكلات غير واقعية تحت عناوين ومسميات العرب والعجم والسنة والشيعة. وهي مع الإنجازات العلمية التي حققتها ايران وبدلاً من التوجه للإستفادة من هذه التجارب تعمل السعودية على تشويه هذه الإنجازات والسعي للحديث عن أن استرجاع ايران لحقها المالي الذي فرض الحصار عليه لأعوام سيكون عامل قلق وعدم استقرار. وهي مؤخراً لجأت إلى اعدام الشيخ النمر ودفعت في نيجيريا من خلال سفارتها لإحداث بلبلة نتج عنها اعتداء قوى بخاري على الشيخ الزكزاكي ونيجيريين آخرين من الطائفة الشيعية، وهي تعمل اليوم على بث روح الفتنة والشقاق فيها أكثر.
رابعاً: في حادثة منى أغلق النظام السعودي كافة الخيارات والدعوات للمساهمة والإشتراك في رفع آثار الفاجعة، ومع وجود دعوات من قبل العديد من البلدان لإجراء تحقيقات ورفع وكشف ملابسات الحادث، وقف النظام السعودي بوجه كل هذه التوجهات معتبراً اياها تدخلاً في الشأن الداخلي، ومع مطالب ودعوات لقيام السعودية بتحقيق بالحادث كان الرفض أيضاً سيد الموقف، في المقابل وبعد الأحداث الأخيرة قرابة السفارة السعودية وبغض النظر عن من يقف خلفه مع وجود حديث عن مندسّين من قبل جهات خارجية، فإن السياسة الإيرانية بادرت مباشرة إلى العمل لكشف ملابسات الحادث ومعاقبة المتورطين.
هذا سرد لبعض المقاربات لوقائع المنطقة والمقايسة بين أداء كل من السعودية وايران اتجاه قضاياها، ومنها يمكن الإنطلاق لتكوين صورة حول تقييم الإتهامات التي يطلقها نظام آل سعود الحاكم بوجه ايران.