الوقت - يوماً بعد يوم، تزداد الفضائح الإعلامية، والتي تُظهر حجم الفساد الإجتماعي الذي تتمتع به واشنطن. ففي وقتٍ تتغنى فيه أمريكا بأنها مهد الديموقراطية وحقوق الإنسان، يبدو أن الإعلام الأمريكي وعدداً من الفعاليات الإجتماعية، بدأت تنتقد حجم التمييز العنصري والذي بدأ يطغى ليس فقط على الصعيد الشعبي أو الفردي، بل على التصرفات الرسمية للسلطات الأمريكية أيضاً. وتُعد حادثة أوريغون الأخيرة مثالاً على ذلك. فكيف يمكن توصيف الواقع الأمريكي الحالي والذي يختصر التمييز العنصري في أمريكا؟
حادثة أوريغون الأخيرة والإستياء الشعبي:
منذ أيام اقتحم مسلحون أمريكيون مبنى حكومياً في مقاطعة هاريس التابعة لولاية أوريغون، احتجاجاً على السياسات الحكومية المتعلقة بالأراضي، وعلى الحكم بسجن مزارعين أربع سنوات. وجاء في البيان الصادر عن مديرية الشرطة أن مديرها التقى المتظاهرين الذين يحتلون مبنى مركز "مالهيور" لحماية الحياة البرية، غير أن المحتجين "رفضوا دعوته لإنهاء الإحتلال" بحسب تعبيرهم. وبينما لم يتضح إذا كان هؤلاء يحملون حقاً أجندة خفية أم لا، وإذا كانوا يستحقون لقب "إرهابيين" من عدمه، فإن الكثير من الأمريكيين استاؤوا من قيام السلطات بنفي صفة "الإرهاب" عن هذا الهجوم. مشددين على أنه لو كان هؤلاء المسلحون مسلمين، أو من السود، واستولوا على مبنى حكومي بقوة السلاح ورفضوا الخروج منه، لكان مصيرهم القتل فوراً.
وكانت قد ظهرت على الساحة الأمريكية أخيراً، نماذج لافتة لأفراد يصحّ أن يطلق عليهم لقب "إرهابي"، حيث يشتركون في أيديولوجية الكراهية مع أولئك المعروفين من المنتمين لداعش أو طالبان أو القاعدة بحسب ما يُشير الإعلام الأمريكي المتضامن مع السود. ولعل هذه النماذج والتي ظهرت مؤخراً في أمريکا تحديداً، طرحت السؤال مجدداً حول ما سماه البعض بـ "الإرهاب الأبيض".
الواقع الأمريكي وترسيخ التمييز العنصري:
لم تكن الحادثة الأخيرة فقط، هي التي تدل على حجم التمييز العنصري في أمريكا. فالسنوات الأخيرة حافلة بذلك، حيث أقدم العنصري ديلان روف(21 عاماً) على واحدة من أكثر الجرائم بشاعة في التاريخ الأمريكي الحديث، في حزيران 2015. والتي كان ضحيتها مصلين في كنيسة "عمانوئيل الأفريقية الأسقفية الميثودية"، حيث قتل 9 منهم، وأصيب آخرون. وظهر روف في صوره التي انتشرت إعلامياً وقتها متجهم الوجه، قاتم النظرات، ولم يبدِ أي ندم على ما اقترفت يداه، ومع ذلك لم يلقب بالـ "إرهابي"، مثلما كان سيكون الحال لو أقدم رجل أسود أو مسلم أو من الأقليات الأخرى على الفعلة الشنعاء نفسها.
ومن الأحداث التي توقف عندها المراقبون أيضاً العام الماضي، إقدام العنصري الأمريكي، كريغ هيكس(46 عاماً)، على قتل 3 طلاب مسلمين بطلقات نارية في الرأس، في مجمع سكني في تشابل هيل، في ولاية نورث كارولينا، وهم ضياء شادي بركات(23 عاماً) ويسر أبو صالحة(21 عاماً) وزران أبو صالحة(19 عاماً)، وقد يواجه هيكس عقوبة الإعدام في المحاكمة التي ما زالت جارية.
حقائق لا بد من معرفتها:
بحسب تقرير صدر في 2014، لم يؤدِ الإرهاب المرتبط بالمسلمين أو كما روَّجت له السلطات الأمريكية، إلا لمقتل 37 من الأمريكيين بعد 11 أيلول 2011، وفقاً لدراسة لجامعة ولاية نورث كارولينا. في حين أن 190 ألف أمريكي قتلوا في تلك الفترة الزمنية نفسها جراء جرائم متعددة، الكثير من منفذيها من ذوي البشرة البيضاء.
وبحسب دراسة أخرى لمكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، الذي بحث في الإرهاب الذي ارتُكب على الأراضي الأمريكية بين عامي 1980 و2005، فإن 94% من الهجمات الإرهابية ارتُكب على يد غير المسلمين، حيث نفذت 42% من الهجمات الإرهابية من قِبَل المجموعات ذات الصلة باللاتينيين، و24 % منها ارتكبتها الجهات اليسارية المتطرفة.
ووفقاً لصحيفة "دايلي بيست"، لا تغطى الهجمات الإرهابية التي ينفذها غير المسلمين بنفس الاهتمام، نظراً لأن القصص التي تدور حول "الآخرين" المرعبين "تبيع" إعلامياً بشكل أكبر، إذ "يمكن صياغتها على طريقة الخير مقابل الشر، بحيث يلعب الأمريكيون فيها دور الصالحين، ويلعب فيها المسلمون" أو السود، دور الأشرار.
ولهذا السبب، يرى العديد من المراقبين، أن الكثير من صناع القرار في أمريکا يواجهون محاولات أوباما تقنين حيازة السلاح، ليلعبوا سياسياً على وتر "الآخر"، وينتظر أن تشهد "بلاد الحرية" ارتفاعاً واسعاً في جرائم القمع والكراهية والإرهاب، بوجود متعصبين أمثال دونالد ترامب، المرشح الجمهوري الرئاسي المحتمل، والمؤمنين بـ "التفوق العرقي" للبيض على سواهم.