الوقت- بعد تفاقم أزماته الداخلية والخارجية لاسيّما هزائمه في اليمن وتدهور أوضاعه الإقتصادية وارتفاع حدة الخلافات بين أقطابه حاول النظام السعودي خلال الأسابيع الماضية افتعال أزمات جديدة بهدف التغطية على عزلته وفشله في تحقيق أهدافه المعلنة وغير المعلنة ومن بينها سعيه لاسقاط حكم الرئيس السوري "بشار الأسد" رغم دعمه الكبير والمتواصل للجماعات الإرهابية والتكفيرية في هذا البلد.
ومن الإجراءات التي إتخذتها سلطات الرياض في الآونة الأخيرة هو إرتكابها جريمة إعدام الشيخ "نمر باقر النمر" والعشرات من المعارضين لسياستها لاسيّما في المنطقة الشرقية من البلاد والتي يطالب أهلها باطلاق الحريات العامة ومن بينها حرية التعبير عن الرأي وإنهاء التمييز الطائفي بحق أبناء هذه المنطقة.
وبعد موجة الاحتجاجات العارمة التي شهدتها المدن الإيرانية تنديداً بجريمة إعدام "الشيخ النمر" وما رافقها من اقتحام لسفارة السعودية في طهران من قبل بعض المواطنين الغاضبين سارعت الرياض إلى قطع علاقاتها مع إيران ودعت كذلك دول مجلس التعاون وبعض الدول الافريقية لاتخاذ إجراء مماثل، فاستجاب لها عدد من هذه الدول بينها البحرين والسودان.
ومن الإجراءات الأخرى التي اتخذتها الرياض، قطع علاقاتها التجارية مع طهران ومنع سفر رعاياها إلى إيران. وتهدف هذه الاجراءات إلى خلق جبهة جديدة ضد إيران التي نجحت قبل عدّة أشهر في إبرام الإتفاق النووي مع مجموعة الـ( 5+1) التي اعترفت بحقها في إمتلاك التقنية النووية للأغراض السلمية وقررت رفع الحظر المفروض عليها إثر الأزمة النووية مع الغرب.
وتعتقد الرياض ان نجاح طهران في توقيع الإتفاق النووي مع السداسية( الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي وألمانيا) سيتيح لها الفرصة لتعزيز تأثيرها السياسي والدبلوماسي على الصعيدين الإقليمي والدولي من جانب، وسيمكنها من جانب آخر من رفع مستوى دعمها لمحور المقاومة الذي يتصدى للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة والذي تُعد السعودية أحد اركانه.
ويعتقد المراقبون إن الإجراءات التي إتخذتها سلطات الرياض مؤخراً وفي مقدمتها جريمة إعدام "الشيخ النمر" وقطع علاقاتها مع إيران تعكس مدى التخبط الذي يعاني منه النظام السعودي، فيما يرجح الخبراء السياسيون أن يتكرر سيناريو النزاع العلني بين أقطاب الأسرة الحاكمة الذي أعقب وفاة الملك السعودي "عبد الله بن عبد العزيز" وتسلّم أخيه غير الشقيق الملك "سلمان بن عبد العزيز" مقاليد الأمور في البلاد مطلع عام 2015 والذي أدى إلى حصول تغييرات جذرية في المناصب المهمة والحساسة في الدولة ومن أبرزها إختيار "محمد بن سلمان" لمنصب ولي ولي العهد ووزير الدفاع والذي تسببت سياساته بالحاق أضرار كبيرة بالسعودية ومن بينها شن العدوان على اليمن قبل أكثر من 9 أشهر وتدهور الوضع الإقتصادي بشكل ملحوظ في البلاد، حيث بلغ العجز الإقتصادي في العام الحالي حوالي 100 مليار دولار.
وتسببت سياسات "محمد بن سلمان" أيضاً بإثارة موجة كبيرة من الانتقادات داخل الأسرة الحاكمة في السعودية والتي أدت بدورها إلى تعميق حالة الصراع على المناصب والامتيازات والصلاحيات بين أقطاب هذه الأسرة.
ومع الأخذ بعين الاعتبار حالة عدم الاستقرار الأمني والإقتصادي في السعودية والأزمات الخارجية المتعددة التي يواجهها هذا البلد في الوقت الحاضر وخصوصاً هزائمه في اليمن، يمكن بسهولة فهم الغاية من الإجراءات التي إتخذتها الرياض مؤخراً ومن بينها جريمة إعدام الشيخ النمر وقطع العلاقات مع طهران. فالنظام السعودي يجد الآن نفسه محاصراً بين الضغوط الأمنية والإقتصادية التي يواجهها في الداخل من جهة، وبين النتائج الوخيمة التي أسفرت عنها سياساته الخارجية لاسيّما في سوريا والعراق خصوصاً بعد إعتقال الكثير من العناصر الإرهابية التي إعترفت بتلقيها الدعم المالي والتسليحي واللوجستي من السعودية.
ولهذا يرى المراقبون في الإجراءات الأخيرة التي إتخذها نظام آل سعود بأنها تعبر عن حالة الاحباط التي يعيشها هذا النظام من ناحية، وتعكس في الوقت ذاته هشاشة مساعيه اليائسة للتعويض عن خسائره وهزائمه في اليمن والعراق وسوريا من خلال محاولة تصدير أزماته المستعصية إلى الدول الأخرى من ناحية أخرى.