الوقت- دخلت الحرب في غزة يومها الـ 424، حيث تركزت عمليات الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين في المنطقة الشمالية من هذا القطاع في الأسابيع الأخيرة، ورغم أن العديد من المسؤولين السياسيين والأمنيين الصهاينة قالوا مرارا وتكرارا إن استمرار الحرب في غزة لا جدوى منه، إلا أن بنيامين نتنياهو رئيس وزراء هذا الكيان، بمساعدة وزراء متشددين، تماشياً مع تنفيذ "خطة الجنرالات" "والتطهير العرقي للفلسطينيين، جعل الكارثة الإنسانية في هذه المنطقة يوماً بعد يوم تتصاعد، وهي جريمة رفعت صوت الأمم المتحدة ومؤسسات حقوق الإنسان.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم الإثنين، خلال المؤتمر الدولي لدعم غزة في القاهرة، إن الوضع الحالي في قطاع غزة "فظيع ومروع"، ودعا المجتمع الدولي إلى إرساء أساس للسلام الدائم في غزة وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وأشار غوتيريش إلى أن "إجراءات إسرائيل بحظر أنشطة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) تشكل تهديداً للجهود الإنسانية للشعب الفلسطيني ووقفاً فورياً لإطلاق النار إلى جانب إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين".
هذا فيما هاجم الجيش الصهيوني، خلال الأيام الماضية، ثلاثة أعضاء من فريق "المطبخ المركزي العالمي" في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، ويتعمد جيش الاحتلال استهداف عمال الإغاثة في غزة، وخاصة أولئك الذين يقدمون الغذاء للسكان والنازحين، من أجل استغلال تفاقم المجاعة الفلسطينية لتحقيق أهدافه المعلنة، لكن هذا التكتيك خدم أيضاً قادة تل أبيب على مدى الـ 14 عاما الماضية.
من ناحية أخرى، أعلن أجيت سونغاي ممثل مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، أن الأمم المتحدة لا تستطيع إرسال أي مساعدات إنسانية إلى شمال غزة لأن السلطات الصهيونية منعت أو رفضت السماح بمرور قوافل المساعدات، فيما لا يزال نحو 70 ألف فلسطيني هناك.
وبعد زيارة مخيمات اللاجئين في شمال غزة، تحدث سونغاي عن الظروف المعيشية المزرية والنقص الشديد في الغذاء وسوء الأوضاع الصحية وظروف الصرف الصحي، وشدد على الحاجة الماسة للمساعدات الإنسانية وضرورة سماح الكيان الصهيوني لهذه المساعدات بالدخول، وقال: "هناك خطر الجوع والمرض والموت في قطاع غزة، والفلسطينيون يكافحون من أجل البقاء إلى درجة أن مجموعات كبيرة من النساء والأطفال يبحثون عن الطعام بين القمامة".
كما أعلنت منظمة الأغذية العالمية تعليق أنشطتها في غزة بسبب الظروف الصعبة المقبلة، والتي تسببت في تفاقم الكارثة الإنسانية المتمثلة في المجاعة والجوع، وخاصة بعد إغلاق ملاجئ اللاجئين الفلسطينيين والمخابز وإفراغ الطعام، وبالإضافة إلى نقص الغذاء، فإن الوضع الصحي في غزة كارثي أيضًا.
ووصف مدير مستشفيات وزارة الصحة بغزة الوضع الصحي في هذا القطاع بالكارثي، وقال إن 5% فقط من المستشفيات العاملة والباقي دمرت بسبب جرائم الصهاينة، وهناك نقص حاد في المستشفيات والمرافق الصحية في كل الأقسام الجراحية بهذه المستشفيات.
كما حذرت منظمة الصحة العالمية مؤخرا من النقص الحاد في الأدوية والغذاء والوقود والمأوى في غزة، وخاصة في شمالها، وطلبت من الكيان الصهيوني المساعدة في وصول المساعدات.
أزمة مزدوجة في شمال غزة
ورغم أن جميع مناطق غزة تمر بوضع كارثي من الناحية الإنسانية، إلا أن الظروف في شمال غزة أسوأ بكثير مما هي عليه في الجنوب، ويلجأ الكيان الصهيوني، الذي يتعرض لقصف صاروخي ومدفعي منذ شهرين، إلى ارتكاب أي جريمة لطرد الفلسطينيين من هذه المنطقة.
وذكر موقع مجلة 972+ الإسرائيلية في هذا السياق: "تحولت شوارع بيت لاهيا شمال غزة إلى كومة من الركام والجثث، ومن تمكن من البقاء على قيد الحياة حتى الآن معرض لخطر الموت بسبب المجاعة والهجمات الإسرائيلية المتواصلة".
وكتبت وسائل إعلام عبرية نقلاً عن سكان شمال غزة: "الكلاب تمزق جثث الضحايا، وكيان الاحتلال دمر كل المناطق السكنية، والناس محبوسون داخل منازلهم دون أن يجدوا ما يأكلونه وينتظرون القصف في أي لحظة"، بالإضافة إلى ذلك، تشير التقارير إلى أن العملية العسكرية المستمرة في شمال غزة أدت إلى نزوح 130 ألف شخص، بحثًا عن مأوى في المنازل والعيادات والمتاجر المدمرة، مع اضطرار العديد منهم إلى البقاء في الخارج بسبب الطقس البارد.
خطة تل أبيب لإنشاء منطقة عازلة شمال قطاع غزة
وفي مثل هذا الوضع الكارثي، يعاني مئات الآلاف من الفلسطينيين من الجوع، لكن نتنياهو وجماعته المتطرفة يواصلون تحقيق أحلامهم الطموحة، وأفادت صحيفة يديعوت أحرونوت، اليوم الاثنين، نقلا عن مصادر مطلعة، بأن الجيش الصهيوني يستكمل مشروع إنشاء منطقة عازلة في غزة، ويبلغ عمق المنطقة المذكورة كيلومترا إلى كيلومترين داخل غزة وبالقرب من حدود فلسطين المحتلة.
ويقال إن الجيش الصهيوني يستهدف كل من يدخل المنطقة العازلة، كما تم في هذا المجال استخدام معدات المراقبة والتصوير المتطورة، وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أيضًا أن "إسرائيل" تبني قواعد عسكرية في وسط غزة، وأن الإسرائيليين دمروا أكثر من 600 مبنى في المنطقة في الأشهر الأخيرة لإنشاء منطقة عازلة وتوسيع قواعدهم العسكرية.
واحتل الصهاينة خلال الأشهر الماضية خطا حدوديا يسمى "محور نتساريم"، يفصل بين شمال غزة وجنوبها، لمنع عودة مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين إلى شمال هذا القطاع، وبهذا الإجراء تهدف حكومة نتنياهو إلى احتلال شمال غزة وتنفيذ رغبة المتطرفين في بناء المستوطنات الصهيونية، ولا يهم إذا قُتل وتشرد عشرات الآلاف من الفلسطينيين من أجل تحقيق هذه السياسة.
ويعتبر احتلال شمال غزة أحد المطالب الأساسية لإيتمار بن غير، وزير الأمن الداخلي في الكيان الصهيوني، الذي يحذر كل يوم من أنه سينسحب من ائتلاف وزارة الخارجية إذا توقفت الحرب في غزة، لذلك، على نتنياهو، الواقع تحت مقصلة المتطرفين، أن يستسلم لمطالبهم، لأن ابن جير يدعي أنه متوافق مع نتنياهو على الجبهة اللبنانية، لكنه لن يوافق على وقف إطلاق النار في غزة.
مؤامرة لتحويل الأنظار من غزة إلى حلب
ورغم أنه كان من المتوقع أن يمهد وقف إطلاق النار في لبنان الطريق لوقف الحرب في غزة، إلا أن الأحداث الأخيرة في سوريا وفرت بيئة مناسبة للصهاينة لركوب الأمواج، وكانت سلطات تل أبيب تحاول صرف انتباه المجتمع الدولي عن غزة إلى مراكز الأزمات الأخرى في العالم، والهجوم الإرهابي على حلب في شمال سوريا جعلها تحرر نفسها من عبء الضغوط الدولية، لأنه من وجهة نظر السلطات الإسرائيلية يمكنها استغلال هذا الوضع لتوسيع الاحتلال وتهجير الفلسطينيين من المناطق الشمالية.
ورغم أن المجتمع الدولي يركز على التطورات في حلب هذه الأيام، إلا أنه لا ينبغي له أن يهمل القضية الإنسانية في غزة، ويتعين عليه أن يستمر في الضغط من أجل الوقف الفوري للإبادة الجماعية للفلسطينيين، لكن، خلافاً لتوقعات قادة تل أبيب، لم تتمكن التطورات في حلب من إبعاد غزة عن أنظار العالم، وعقد يوم الاثنين مؤتمر القاهرة بحضور وزراء الخارجية العرب وممثلي 100 دولة والأمم المتحدة ووكالات ومنظمات حقوق الإنسان.
وفي هذا الاجتماع الدولي، وصف المشاركون الوضع الإنساني في غزة بالكارثي، ودعوا إلى الوقف الفوري للحرب وإرسال المساعدات الإنسانية بشكل فوري إلى هذا القطاع.
كما أعرب المشاركون عن معارضتهم لتطوير المستوطنات وسياسات التهجير القسري للفلسطينيين، ودعموا تشكيل دولة فلسطينية مستقلة على أساس حل الدولتين، إن سياسة تعميق المجاعة والجوع في غزة بهدف تحقيق مكاسب وتعويض الهزيمة على الجبهة اللبنانية لا تحل أياً من مشاكل نتنياهو، ومع استمرار الترويج للحرب سيحترق الصهاينة أكثر في نار الاحتلال وطموحات مجلس الوزراء المتطرفة.